فهذه جملة من فتاويهم في المسألة وقد عرفت منها إن المشهور بينهم إلى عصر الشيخ هو القول بالقضاء على المدعى عليه بنفس النكول.
تحرير المسألة بحسب الأصل وأما تحريرها بحسب الأصل كما استقر عليه دأب القوم ليكون هو المعول عليه عند عدم تمامية ما أقاموا من الدليل فنقول:
مقتضى الأصل عدم جواز القضاء تكليفا على المنكر بمجرد النكول وعدم ترتب الأثر عليه، ولا يعارض ذلك بعدم جواز القضاء وعدم ترتب أثر عليه بعد رد الحاكم اليمين على المدعي وحلفه، فإن جواز القضاء بكلا معنييه من التكليف، والوضع في صورة نكول المنكر، وحلف المدعى بعد رد اليمين عليه يقيني، وإن لم نعلم أنه جاء من قبل النكول أو الرد أو الحلف.
ولا ينافي ذلك أصالة عدم مشروعية رد اليمين من الحاكم فإن ذلك لا يثبت جواز القضاء إلا بعدم القول بالفصل.
مضافا إلى أن المراد من عدم المشروعية إن كان عدم تشريع رد اليمين من الحاكم من قبل الشارع فالأصل عدم تشريعه بالخصوص وإن كان المراد عدم جواز رد اليمين من الحاكم إلى المدعي مطلقا حتى احتياطا واستظهارا، وإذا توقف فصل الخصومة عليه فهو ممنوع فإن الأقوى جواز ذلك لأن فصل الخصومات أمر مطلوب مرغوب فيه شرعا لا يجوز إهماله كما أن عدم ترتب الأثر على رد الحاكم، وحلف المدعي أيضا، وإن كان مقتضى الأصل لكن لا ينافي ذلك توقف فصل الخصومة، وجزم الحاكم في حكمه عليه فإذا حكم بعد ذلك يحصل القطع بنفوذ حكمه، وإن لم نعلم جهته.
ومثل ذلك نقول في أصالة عدم توجه اليمين على غير المنكر فإن ذلك إنما يكون بحسب الوظيفة الأولية لا إذا انحصر طريق فصل الخصومة، وجزم الحاكم في حكمه بيمين المدعي هذا.
وقد قيل في تأسيس الأصل وجوها لا تخلو من الضعف.
منها أصالة براءة ذمة المدعى عليه من الحق بمجرد النكول فلا يحكم عليه.