" فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا " والمنادي لها هو أبنها عيسى، وقيل المنادي لها جبرئيل والأول أنسب لحال المولود مع والدته لأنه ناداها من تحتها وقرئت " من تحتها " وقد أنطقه الله ليزيل ما أصاب مريم من الحزن والغم الشديدين إذ لا مصيبة هي أمر وأشق على المرأة الزاهدة المتنسكة - وخاصة إذا كانت عذراء بتولا - من أن تتهم في عرضها وخاصة إذا كانت من بيت نبوة ورسالة بيت معروف بالعفة والنزاهة في حاضر حاله وسابق عهده لذا اقتضت الحكمة الإلهية أن تنطق لها وليدها تسلية لها " فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا " والسري هنا هو النهر الجاري بعد أن كان قد يبس منذ زمن بعيد " وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا " والتعبير بجذع النخلة يشعر بكونها يابسة غير مخضرة، وقد ورد أن النخلة كانت قد يبست أيضا منذ دهر طويل فلما مدت يدها إلى الجذع اخضرت وأورقت وأثمرت بالحال وتساقط عليها الرطب الطري وطابت نفسها، ويقال: أمرت بهزها تعاطيا للأسباب، وإلى هذا يشير بعض الأدباء حيث يقول:
وهزي إليك الجذع يساقط الرطب جنته ولكن كل شئ له سبب.
ألم تر أن الله قال لمريم ولو شاء أن تجنيه من غير هزه.
ثم قال لها " فكلي واشربي وقري عينا " أي فكلي من الرطب واشربي من النهر وقري عينا بالولد، ولكن هذا كله لا يحل لها مشكلتها وإنما كان لمجرد تسليتها فقط أما حل المشكلة فهي قوله تعالى لها: " فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا " والمراد