من الصوم هنا نية الإمساك عن الكلام، وقد أوضحه بقوله " فلن أكلم اليوم إنسيا " أي لن أكلم اليوم أحدا من الأنس والمراد من القول التفهيم للسائلين لها بالإشارة لهم في أن يسألوا من المولود وأنه هو الذي يكفيها الجواب ويدافع الخصماء، هذا وقد افتقدها قومها من المحراب وخرجوا في طلبها وإذا هي قد أقبلت تحمله على صدرها " فأتت به قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا " والفري الشيء العظيم البديع " يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا " والظاهر أن المراد من قولهم يا أخت هارون أنه رجل من بني إسرائيل صالح كان يضرب به المثل وينسب إليه كل صالح، ولعل المراد به هارون أخو موسى الكليم إذ هي منتسبة إليه في نسبها وقولهم لها يا أخت هارون كما يقال للتميمي يا أخا تميم، وحين سمعت من قومها المعاتبة - وفيهم على ما قيل زكريا، " فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا " فأنطقه الله مرة ثانية " قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا (30) وجعلني مباركا أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا (31) وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا (32) والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا " من هو هذا المتكلم؟
" ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون " أي ذلك عيسى بن مريم الذي يختلفون فيه ويتنازعون، فهذا يقول، إنه ابن الله وهم الكثير من النصارى - تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا - وذلك يتهم أمه وينسبها إلى مالا يليق بها وهي البريئة العفيفة وهم الغالب من اليهود، وأن الحق هو