ولم أك بغيا " أي كيف يكون لي ولد ومن أين يكون ولم يخالطني قبل هذا الحين رجل لا من طريق الحلال بالنكاح الشرعي، ولا من طريق الحرام بالزنا، " قال كذلك قال ربك هو علي هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمرا مقضيا " ثم نفخ جبرئيل في جيبها أي جيب مدرعتها فخلق الله من تلك النفخة عيسى في الوقت، وكمل في تلك الساعة في الرحم، وخرجت من موضع الاستحمام وهي حامل وقصدت مكانا بعيدا عن أهلها وذلك قوله تعالى: " فانتبذت به مكانا قصيا " أي مكانا بعيدا، واختلف المفسرون والمحدثون في المكان الذي انتهت إليه مريم وولدت فيه عيسى فقيل: أنه بيت لحم ويقع بناحية المقدس جاء هذا في حديث المعراج ورواه القمي في تفسيره لسورة الإسراء مسندا عن أبي عبد الله الصادق (ع) ص 3 - 4 ونقله المجلسي عنه في (البحار) ج 14 ص 208 وقيل أنه ولد في كربلاء، وقيل في الكوفة على الفرات وقيل غير ذلك، ولعل الأول هو الأصح والله أعلم واختلف المفسرون في مدة حملها والمشهور أن مدة الحمل كانت تسع ساعات، جعل الله لها الشهور ساعات وأنها حملت به في الليل فوضعته بالغداة أي أول النهار " فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا " أي دفعها وألجأها المخاض والطلق إلى جذع النخلة فالتجأت إليها لتستند عليها ووضعت عيسى، وحينما نظرت إليه قالت: يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا، وحق لها أن تقول ذلك لأن وراءها مسؤولية كبرى من قومها من بني إسرائيل ومن زكريا بالخصوص، ومن سائر الناس من أولياء وأعداء فهي في حاجة ماسة إلى الخروج من هذه المآزق الحرجة، ولكن الله يبتلي ويدبر وهو الحكيم العزيز ولذلك جاءتها التسلية في الحال على لسان وليدها الجديد،
(٣٨)