تعبد عيسى ومريم في جبل لبنان، ووفاة مريم في الجبل ولم تزل في بني إسرائيل ملازمة للمحراب وللعبادة حتى نشأ عيسى وكبر. وقبل أن يبعث بالرسالة كان مع أمه يتعبدان في معزل عن الناس وجاء في بعض الكتب: أن عيسى بن مريم قال لأمه: يا أماه أني وجدت مما علمني الله أن هذه الدار دار فناء وزوال، والآخرة هي التي لا تخرب أبدا، تعالي نأخذ من هذه الدنيا الفانية إلى الآخرة الباقية، فانطلقا إلى جبل لبنان فكانا فيه يصومان النهار ويقومان الليل، يأكلان من ورق الأشجار ويشربان من ماء الأمطار فمكثا على ذلك زمانا، ثم ان عيسى هبط ذات يوم من الجبل إلى الوادي يلتقط الحشيش والبقول لإفطارهما فلما هبط عيسى نزل ملك الموت على مريم وهي معتكفة في محرابها فقال: السلام عليك يا مريم الصائمة القائمة... فقالت: وعليك السلام من أنت يا عبد الله؟ فقد اقشعر من صوتك جلدي وارتعدت فرائصي. فقال: أنا الذي لا أرحم الصغير لصغره، ولا أوقر الكبير لكبره، أنا الذي لا استأذن على الملوك ولا أهاب الجبابرة، أنا مخرب الدور والقصور وعامر القبور، والمفرق بين الجماعات والأخوة والأخوات والآباء والأمهات، أنا قابض الأرواح أنا ملك الموت، فقالت: جئتني زائرا أم قابضا؟ قال: بل جئتك قابضا فبكت وقالت: أمهلني حتى يجئ ولدي عيسى، فقال: لم أومر بذلك وقبض روحها في الحال، ولما جاء ابنها عيسى وإذا بها ميتة، فقضى عندها وطرا من البكاء، ثم مضى إلى قرية من القرى... وجاء بحنوط وكفن ثم عاد إلى أمه ليقوم بتجهيزها، فرأى عندها جبرئيل وميكائيل والحور العين فتولوا
(٤٤)