لولادة عيسى من غير فحل بعد أن طهرها من السفاح فخرج بهذا من أن يكون تكرارا بلا حكمة (1)، وبهذا نعلم أن كلا من الإصطفائين يهدف إلى معنى مستقل غير المعنى الآخر وهما معا غير التطهير من السفاح أو التطهير من الأدناس والأقذار التي تعرض للنساء (2) وهذا كله يدل على أن مريم من المقربات عند الله، وقد شاءت حكمته زيادة قربها إليه فأعرب عن ذلك بالآية الثانية، حيث أمرها على لسان ملائكته بأن قالوا لها: يا مريم أقنتي لربك وأسجدي واركعي مع الراكعين، إذ أن القنوت لله والركوع والسجود له تبارك وتعالى من أهم الأسباب المقربة للعبد إلى ربه. وأهم مظهر للقرب هو السجود ثم الركوع، وقد ورد: إن أقرب ما يكون العبد من الله عز وجل وهو ساجد (3) ولعل هذا هو السر في تقديم الأمر لها بالسجود قبل الركوع بالرغم من تقديم الركوع على السجود بالنسبة إلى الترتيب فذلك من وظائف النبي (ص) وهو الذي يبين كيفية العبادة بأمر الله، بل ناظرة إلى أهم المقربات للعبد إلى ربه، وأهمها أولا: العبادة
(٣٠)