صلح الحسن (ع) - السيد شرف الدين - الصفحة ٢٧٥
وعلمنا أنه قال بعد الصلح: " رضينا بها ملكا ".
وعلمنا أنه خطب على منبر الكوفة يوم وصوله إليها. فقال: " اني لم أقاتلكم لتصلوا ولا لتزكوا.. وانما قاتلتكم لأتأمر عليكم ".
وعلمنا أن الحسن بن علي أنكر عليه الخلافة وجاها، فسكت ولم يرد عليه.
فلنعلم إذا، بأن معاوية حين رضيها ملكا نفاها عن نفسه خلافة، وحين قال: " لم أقاتلكم لتصلوا ولا لتزكوا.. " دل على أنه ليس خليفة دين، ولكنه ملك دنيا لا هم له في صلاة ولا زكاة، وانما كل همه في التأمر على الناس. وهو حين يقول للحسن: " لا تقضى دونك الأمور " ويقول لابنه: " ان الحق حقهم "، يعترف للحسن بالمقام الاعلى وبالسلطة التي لا تعصى في أمر. وما ذلك الا مقام الخلافة فحسب. وكان لابد لمعاوية أن يسكت - والحال هذه - حين يصارحه الحسن بانكار خلافته، ويكذبه على ادعائها بغير استحقاق.
فأين من هذا، تسليم الخلافة الذي فسروا به تسليم الامر؟.
وشئ آخر، قد يكون في مغزاه أدق دلالة على اعتراف معاوية ببراءته من استحقاق الخلافة، وذلك هو ضحكته المخذولة لسعد بن أبي وقاص يوم دخل عليه وقال له: " السلام عليك أيها الملك "، ولم يقل يا أمير المؤمنين، فقد كانت هذه الضحكة بلغتها المبطنة، صريحة بالاعتراف بالخطأ إذ يريد أن يأخذ الخلافة لقبا من غنائم الحرب، لا واسطة بين المسلمين ونبيهم (ص)، وبهذا استحق من سعد، وهو الرجل الذي لا تغلبه مداورات معاوية، أن يقول له: " والله ما أحب أني وليتها بما وليتها به "، يعني أنه كان يترفع عنها لقبا ينبت على الدماء المحرمة، والفتن السود، والعهود الخائسة.
وترى - على هذا - أن سعدا لم يفهم من تسليم الامر الا تسليم الملك وهو ما يجب أن يفهمه كل من فهم لغة القرآن في الخلافة، أو لغة الفريقين
(٢٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 270 271 272 273 274 275 276 277 278 279 280 ... » »»