صلح الحسن (ع) - السيد شرف الدين - الصفحة ٢٧٨
الذي كان يكبر الحسن زهاء ثلاثة عقود، فكان من المتوقع القريب أن يسبقه إلى الموت، وأن يعود الحق إلى نصابه، والحسن بعد في أوائل كهولته أو أواخر شبابه، لولا أن للخطط الجهنمية حسابا لا يخضع للمقاييس!!.
وظلت المادة الصريحة باستحقاق الحسن الامر بعد معاوية، أبرز مواد المعاهدة في المجتمعات الاسلامية، وأكثرها ذيوعا بين الناس، مدى عقد كامل من السنين. ثم طغت عليها الدعاوات العدوة، وأخذها حملة الاخبار إلى مصانعهم الجديدة، فبدلوا من معالمها وغيروا من حقائقها، وصاغها بعضهم بقوله: " ليس لمعاوية أن يعهد إلى أحد ". وتلطف آخر بها من عنده فقال: " ويكون الامر بعده شورى بين المسلمين ". - أما الصادقون فرووها على حقيقتها. وفات المؤرخين المحترفين، أن صرف الحقيقة عن واقعها في هذا النص، لن يجديهم في صرف الواقع عن حقيقته في مرحلة التطبيق، فلم يكن من المحتمل عادة، أن يتجاوز المسلمون - في شوراهم أو في غير شوراهم - ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لو قدر له أن يكون حيا يوم يموت معاوية، وقدر للمسلمين أن يختاروا الخليفة أحرارا، أو يتشاوروا أمرهم مختارين. فالروايتان - الصحيحة والمحرفة - بل الصور الثلاث المزعومة للرواية الواحدة، تتحد عمليا ما دام الحسن حيا.
إذا، فلماذا التهرب من أمانة التاريخ الا أن يكون تعاونا رخيصا مع السلطة القائمة على التمهيد لبيعة يزيد؟!!.
وخيل للمؤرخ البارع الذي الغى التعيين الصريح، ونقل الامر إلى الشورى، أنه أحسن اتخاذ الأسلوب للوضع والتحريف، وخفي عليه، أنه لم يزد فيما هدف اليه على صاحبه الذي ألغاهما معا، وذلك لان الشورى التي عناها لا تكون في انتخاب الخليفة، وانما تكون في الشؤون التي يديرها الخليفة أو رئيس المسلمين من أمورهم، وهكذا كان تشريعها الأول يوم
(٢٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 273 274 275 276 277 278 279 280 281 282 284 ... » »»