صلح الحسن (ع) - السيد شرف الدين - الصفحة ١٣٣
وأحر بجيش يتألف من أمثال هذه العناصر، أن يكون مهددا لدى كل بادرة بالانقسام على نفسه، والانتقاض على رؤسائه.
ولم يكن الجهاد المقدس - يوما من الأيام - وسيلة لطمع مادي، ولا مجالا للمؤامرات الشائكة، ولا مظهرا للعصبيات الجاهلية الهزيلة، ولا مسرحا لتجارب الشكاكين.
و " ازدادت بصيرة الحسن بخذلان القوم له (1) "، وتراءى له من خلال ظروفه شبح الخيبة الذي ينتظر هذه الحرب في نهاية مطافها، إذ كانت العدة المدخرة لها، هي هذا الجيش الذي لا يرجى استصلاحه بحال.
وأثر عنه كلمات كثيرة في التعبير عن ضعف ثقته بجيشه.
وكان من أبلغ ما أفضى به في هذا الصدد - مما يناسب موضوع هذا الفصل - خطابه الذي خاطب به جيشه في المدائن.
وقال فيه:
" وكنتم في مسيركم إلى صفين، ودينكم أمام دنياكم. وأصبحتم اليوم ودنياكم أمام دينكم. وأنتم بين قتيلين، قتيل بصفين تبكون عليه، وقتيل بالنهروان تطلبون (2) بثاره. فأما الباقي فخاذل، واما الباكي فثائر.. ".
وهذه هي خطبته الوحيدة التي تعرض إلى تقسيم عناصر الجيش من ناحية نزعاته وأهوائه في الحرب.
فيشير بالباكي الثائر إلى الكثرة من أصحابه وخاصته، وبالطالب للثأر إلى الخوارج الموجودين في معسكره [وما كان ثأرهم الذي يعنيه الا عنده] ويشير بالخاذل إلى العناصر الأخرى من أصحاب الفتن واتباع المطامع وعبدة الأهواء.

(١) نص عبارة المفيد في الارشاد (ص ١٧٠).
(٢) وبرواية ابن طاووس في كتاب " الملاحم والفتن " (ص 142 طبع النجف سنة 1368): " وقتيل بالنهروان تطلبون منا ثاره ".
(١٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 128 129 130 131 132 133 134 135 136 138 139 ... » »»