صلح الحسن (ع) - السيد شرف الدين - الصفحة ١٣١
كما لو كانوا جنودا مناصحين، وان يبطنوا من وراء هذا التظاهر مقاصدهم فإذا هم جنود مبادئهم المعروفة بل مبادئهم المبطنة التي لم تعرف لحد الآن.
وكانت فكرة " الخروج " بذرة خبيثة انبثقت عن قضية التحكيم بصفين، ومنها سموا " المحكمة "، ورسخت جذور هذه الفكرة كعقيدة مكينة في نفوس هؤلاء، واستطالت بمرور الزمن، فبسقت عليها أشجار أثمرت للمسلمين ألوانا من الخطوب والنكبات.
وكان الخوارج على ظاهرتهم المخشوشنة في الدين، قوما يحسنون المكر كثيرا.
فلم لا يغتنمون ظروف الحرب القائمة بين عدوين كبيرين من أعدائهم؟. ولم لا يكونون في غمار هذا الجيش الزاحف من الكوفة يقتنصون الفرص المؤاتية، بين تجهيزات المجاهدين، والحركات السوقية، والمعارك المنتظرة التي ستكون في كثير من أيامها سجالا - والفرص في الحرب السجال أقرب تناولا، وأيسر حصولا، وأفظع مفعولا، إذا حذق المتآمرون استخدامها -؟.
ولا أريد أن انكر - بهذا - عداوتهم لمعاوية وايثارهم قتاله بكل حيلة كما أفاده شيخنا المفيد (رحمه الله). ولكني أرى أنهم كانوا يرمون من خطتهم إلى غرضين... وما من غرض للخوارج في ثوراتهم ومؤامراتهم الا اقتناص الرؤوس العالية في الاسلام! سواء في العراق أو في مصر أو في الشام. وعشعشت بين ظهراني هؤلاء القوم كوامن الغيلة فغلبت على سائر مناهجهم الأخرى، فمشوا مع الحسن ولكن إلى الفتنة، وحبوا في طريق الجهاد ولكن إلى الفساد. وكانت الطعنة المركزة الجريئة التي " أشوت " الحسن عليه السلام في " مظلم ساباط (1) "، هي الحلقة الجهنمية الثانية من سلسلة جرائم هذه العصابة الخطرة في البيت النبوي العظيم.

(١) الساباط لغة سقيفة بين دارين من تحتها طريق نافذ، وساباط قرية في " المدائن " عندها قنطرة على " نهر الملك " ولعلها انما سميت بهذا الاسم لوجود سقيفة نادرة من " السوابيط " فيها، والمظنون ان هذه السقيفة هي " مظلم ساباط ".
(١٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 126 127 128 129 130 131 132 133 134 135 136 ... » »»