تأريخها، فقد أغلقت الدوائر الرسمية، والمحلات التجارية، وهرع الناس بجميع طبقاتهم إلى تشييع الجثمان المقدس، وهم ما بين باك وواجم، ورفعت الاعلام السود، وسالت الدموع كل مسيل وتعالى الصراخ من كل جانب على الفقيد العظيم الذي كان ملاذا لهم، ويتقدم النعش المأمون وهو حاسر، في القدمين وخلفه الوزراء وكبار رجال الدولة، وقادة الجيش، وهم يذكرون فضائل الامام، وما منيت به الأمة من الخسارة العظمى بفقده.
في مقره الأخير:
وجئ بالجثمان المقدس تحت هالة من التكبير والتعظيم إلى مقره الأخير، فحفر له قبر بالقرب من قبر هارون قاتل أبي الامام فواراه المأمون فيه، وقد وارى معه كل ما تسمو به الانسانية من الصفات الرفيعة، والنزعات الكريمة.
وأقبلت الجماهير تعزي المأمون، وسائر العلويين والعباسيين على مصابهم الأليم وقد نخر الأسى والحزن قلوب الجميع، فقد فقدوا امام المسلمين، وسيد المتقين والمنيبين، ومن الجدير بالذكر ان المأمون سئل عن السبب في دفن الامام إلى جانب قبر أبيه فأجاب: ليغفر الله لهارون بجواره للإمام الرضا (عليه السلام)، وقد فند ذلك الشاعر الملهم دعبل الخزاعي بقوله:
أربع بطوس على قبر الزكي بها * ان كنت تربع من دين على وطر ما ينفع الرجس من قرب الزكي ولا * على الزكي بقرب الرجس من ضرر هيهات كل امرئ رهن بما كسبت * له يداه فخذ ما شئت أو فذر قبران في طوس خير الناس كلهم * وقبر شرهم هذا من العبر إقامة المأمون على قبر الامام:
وأقام المأمون عند القبر الشريف ثلاثة أيام صائما نهاره، قارئا للقرآن الكريم، ويترحم على الإمام (عليه السلام)، وذلك لتنزيهه من اقتراف هذه الجريمة، واظهار اخلاصه وحبه للامام، إلا ان ثوب الرياء يشف عما تحته، فقد ظهر للجميع زيف ذلك، وانه لا واقع لحزنه المزعوم.
المأمون مع هرثمة:
ودعا المأمون هرثمة بن أعين، وطلب منه أن يحدثه بما سمع من الامام وما قاله له في سمه بالعنب والرمان، وجعل هرثمة يحدثه بذلك والمأمون يصفر وجهه مرة،