حياة الإمام الرضا (ع) - الشيخ باقر شريف القرشي - ج ٢ - الصفحة ٣٧٢
إلى جنة المأوى:
وامتحن الامام امتحانا عسيرا في تقلده لولاية العهد، فقد ضيق عليه المأمون غايد التضييق، ففرض عليه الرقابة الشديدة، وأحاطه بقوى مكثفة من الامن، وقد سئم الامام من الحياة، وراح يدعوا الله تعالى أن ينقله من دار الدنيا إلى دار الخلود قائلا:
" اللهم إن كان فرجي مما أنا فيه بالموت فعجل لي الساعة... " (3).
واستجاب الله دعاء وليه العظيم فنقله من دار الدنيا المحفوفة بالمكاره والآلام إلى دار الحق، ونعرض إلى كيفية وفاته، فقد دعا الإمام (عليه السلام) في غلس الليل البهيم هرثمة بن أعين، فلما مثل عنده قال له:
" يا هرثمة هذا آوان رحيلي إلى الله تعالى، ولحوقي بجدي وآبائي (عليهم السلام)، وقد بلغ الكتاب أجله، وقد عزم هذا الطاغي - يعني المأمون - على سمي في عنب ورمان مفروك، فأما العنب فإنه يغمس السلك في السم ويجذبه بالخيط بالعنب، وأما الرمان فإنه يطرح السم في كف بعض غلمانه، ويفرك الرمان بيده ليتلطخ حبه في ذلك السم، وانه سيدعوني في اليوم المقبل، ويقرب إلى الرمان والعنب،، ويسألني اكلها، فآكلها ثم ينفذ الحكم، ويحضر القضاء.
فإذا أنا مت فسيقول: أنا أغسله بيدي، فإذا قال: ذلك، فقل له عني: بينك وبينه، أنه قال لي: لا تتعرض لغسلي، ولا لتكفيني ولا لدفني، فإنك إن فعلت ذلك عاجلك من العذاب ما أخر عنك، وحل بك اليم ما تحذر فإنه سينتهي.
وأضاف الامام قائلا:
فإذا خلى بينك وبين غسلي حتى ترى، فيجلس في علو من أبنيته مشرفا على موضع غسلي لينظر، فلا تتعرض يا هرثمة لشئ من غسلي حتى ترى فسطاطا أبيض قد ضرب في جانب الدار، فإذا رأيت ذلك فاحملني في أثوابي التي انا فيها، وضعني من وراء الفسطاط، وقف وراؤه، ويكون من معك دونك ولا تكشف عني الفسطاط حتى تراني فتهلك.
وانه - اي المأمون - سيشرف عليك، ويقول لك: يا هرثمة أليس زعمتم أن
(٣٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 367 368 369 370 371 372 373 374 375 376 377 ... » »»
الفهرست