" لعلك تتهمنا بشئ؟... ".
وتناول المأمون ثلاث حبات، ثم رمى به، وقام، فقال له المأمون:
" إلى أين؟... ".
فنظر إليه الامام، وقال له بنبرات خافته:
" إلى حيث وجهتني... " (1).
وسارع الامام إلى الدار، وقد تفاعل السم في جميع أجزاء بدنه، وقد أيقن بنزول الرزء القاصم، وبعث إليه المأمون يطلب منه وصيته ونصيحة له، فقال (عليه السلام) لرسوله:
" قل له: يوصيك أن لا تعطي أحدا ما تندم عليه... " (2).
وسرى السم في جميع أجزاء بدن الامام، وأخذ يعاني من أقسى الآلام وقد علم أن لقاءه بربه لقريب فأخذ يتلو آيات من الذكر الحكيم، ويستغفر الله تعالى، ويدعو للمؤمنين، ويقول الرواة: انه لما ثقل حاله امتنع أهل بيته وأصحابه من الأكل والشرب ، فالتفت (عليه السلام) إلى ياسر وقال له:
" هل اكل الناس شيئا؟... ".
فرد عليه بصوت خافت حزين النبرات قائلا:
" من يأكل مع ما أنت فيه ".
فانتصب (عليه السلام) ثم قال: هاتوا المائدة، ولم يدع أحدا من حشمه إلا أجلسه على المائدة، وجعل يتفقد واحدا بعد واحد، ولما فرغوا من تناول الطعام، أمر بحمله إلى النساء، ولما فرغوا من الاكل أغمي عليه (3).
وفي غلس الليل البهيم كان الامام يتلوا آيات من الذكر الحكيم، وكان آخر آية قرأها قوله تعالى: (قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعه (4) " وكان أمر الله قدرا مقدورا " (5) ثم فاضت نفسه الزكية إلى بارئها (6)