" أو ليس في ذلك سرور؟... ".
والتفت إليه فأرشده إلى موضع السرور الذي ينبغي ان يسلكه قائلا:
" يا أمير المؤمنين اتق الله في أمة محمد (صلى الله عليه وآله)، وما ولاك الله من هذا الامر، وخصك به، فإنك قد ضيعت أمور المسلمين، وفوضت ذلك إلى غيرك يحكم فيهم بغير حكم الله، وقعدت في هذه البلاد - يعني (خراسان) - وتركت بيت الهجرة، ومهبط الوحي، وان المهاجرين والأنصار يظلمون دونك، ولا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة، ويأتي على المظلوم دهر يتعب فيه نفسه، ويعجز عن نفقته، ولا يجد من يشكو إليه حاله ولا يصل إليك.
فاتق الله يا أمير المؤمنين في أمور المسلمين، وارجع إلى بيت النبوة ومعدن المهاجرين والأنصار، أما علمت أن والي المسلمين مثل العمود في وسط الفسطاط، من أراده أخذه؟... ".
وحكت هذه الكلمات الصراحة والنصيحة الخالصة، وليس فيها أي محاباة للمأمون ولا مجاراة لعواطفه وميوله، والتفت إلى الامام فقال له:
" يا سيدي فما ترى؟... ".
وأشار الامام عليه بالحق الذي فيه نجاته قائلا:
" أرى أن تخرج من هذه البلاد، وتتحول إلى موضع آبائك وأجدادك وتنظر في أمور المسلمين، ولا تكلهم إلى غيرك، فان الله تعالى سائلك عما ولاك... ".
واستجاب المأمون لرأي الامام وقال له:
" نعم ما قلت: يا سيدي، هذا هو الرأي... ".
وأمر أن تقدم النوائب (1) للخروج إلى (يثرب)، وبلغ ذلك الفضل فغمه الامر، وسارع نحو المأمون فقال له:
" ما هذا الرأي الذي أمرت به؟... ".
وعرض المأمون بما أشار عليه الإمام عليه السلام، من اتخاذ المدينة المنورة عاصمة للملك، وانبرى الفضل يفند هذه الفكرة، ويشير عليه بعكس ما أشار عليه الامام قائلا: