حياة الإمام الرضا (ع) - الشيخ باقر شريف القرشي - ج ٢ - الصفحة ٣٦٨
بحبه، وآمنوا بإمامته في حين أن المأمون وسائر ملوك بني العباس قد اتصفوا بضد ما اتصف به الامام فإنهم من حين أن تقلدوا الخلافة لم يؤثر عن أي أحد منهم مكرمة أو فضيلة فقد انسابوا وراء شهواتهم وملاذاتهم، وأنفقوا الملايين من أموال المسلمين على لياليهم الحمراء، ورحم الله أبا فراس الحمداني الشاعر الملهم والثائر على الظلم والجور فقد قارن في رائعته الخالدة بين الحياة الرفيعة التي عاشها السادة العلويون، وبين الحياة الوضيعة المليئة بالإثم والمنكرات التي عاشها العباسيون يقول:
تمسي التلاوة في أبياتهم سحرا * وفي بيوتكم الأوتار والنغم إذا تلوا آية غنى إمامكم: * " قف بالديار التي لم يعفها قدم " ومنكم عليه أم منهم وكان لكم * شيخ المغنين إبراهيم، أم لهم؟
ما في بيوتهم للخمر معتصر * ولا بيوتهم للشر معتصم ولا تبيت لهم خنثى تنادمهم * ولا يرى لهم قرد له حشم الركن والبيت والأستار منزلهم * وزمزم والصفا والحجر والحرم إن سيرة العلويين مشرقة كالشمس بنور الايمان، وسيرة خصومهم العباسيين مظلمة قاتمة لا بصيص فيها بنور الايمان، وهدى الاسلام وعلى أي حال فقد جهد المأمون أن يظهر للمجتمع الاسلامي عدم زهد الإمام الرضا (عليه السلام) في تقليده لولاية العهد إلا أنه باء بالفشل فقد ظهر الامام عليه كألمع شخصية عرفها العلم الاسلامي في تقواه وورعه، واقباله على طاعة الله وعبادته، وعدم اشتراكه باي منحى من المناحي السياسية.
ومهما يكن الامر فان هذا البحث هو الفصل الأخير من هذا الكتاب، ونعرض فيه إلى الشؤون الأخيرة من حياة الإمام (عليه السلام)، وفيما يلي ذلك:
نصيحة الامام للمأمون:
وقدم الإمام (عليه السلام) نصيحة خالصة للمأمون، نقية من كثير من المشاكل السياسية، فقد أشار عليه أن يعفيه من ولاية العهد ويعفي الضل بن سهل من الوزارة، وبذلك بتخلص من كيد العباسيين وبغيهم عليه (1) إلا ان المأمون لم يعفهما، وانما قام باغتيالهما كما سنعرض ذلك.

(1) عيون أخبار الرضا 2 / 145.
(٣٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 363 364 365 366 367 368 369 370 371 372 373 ... » »»
الفهرست