حياة الإمام الرضا (ع) - الشيخ باقر شريف القرشي - ج ٢ - الصفحة ٣٤١
ولما كان للباري معنى غير المبروء، ولو حد له وراء إذا حد له أمام، ولو التمس له التمام إذا لزمه النقصان، كيف يستحق الأزل من لا يمتنع من الحدث، وكيف ينشئ الأشياء من لا يمتنع من الانشاء إذا لقامت فيه آية المصنوع، ولتحول دليلا بعد ما كان مدلولا عليه ليس في محال القول حجة، ولا في المسألة عنه جواب، ولا في معناه له تعظيم، ولا في إباءته عن الخلق ضيم إلا بامتناع الأزلي أن يثني، وما لا بدء له أن يبدأ، لا إله إلا الله العلي العظيم، كذب العادلون بالله، وضلوا ضلالا بعيدا، وخسروا خسرانا مبينا، وصلى الله على محمد النبي وآله الطيبين الطاهرين " (1).
وحوت هذه الخطبة العظيمة غوامض البحوث الفلسفية والكلامية، وقد ظهرت فيها القدرات العلمية الهائلة للإمام الرضا (عليه السلام)، وانكشف للعباسيين زيغ ما ذهبوا إليه من عجز الامام وعدم قدرته على الخوض في البحوث العلمية، ومن المؤكد ان معظم المستمعين لخطاب الامام لم يفقهوا هذه المسائل الفلسفية التي عرضها الإمام (عليه السلام)، والتي تناولت أهم قضايا التوحيد.
الخطبة التي كتبها الامام للمأمون:
وطلب المأمون من الإمام الرضا (عليه السلام) أن يكتب له خطبة ليقرأها على الناس حينما يصلى بهم، فكتب (عليه السلام) له هذه الخطبة الجليلة وقد جاء فيها بعد البسملة:
" الحمد لله الذي لا من شئ كان، ولا على صنع شئ استعان، ولا من شئ خلق، كما كون منه الأشياء، بل قال له: كن فيكون.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الجليل عن منابذة الأنداد، ومكابدة الأضداد، واتخاذ الصواحب، والأولاد وأشهد أن محمدا عبده المصطفى، وأمينه المجتبى، أرسله بالقرآن المفصل، ووحيه، الموصل، وفرقانه المحصل، فبشر بثوابه، وحذر من عقابه، (صلى الله عليه وآله).
أوصيكم عباد الله بتقوى الله الذي يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكتمون، فان الله لم يتركم سدى، ولم يخلقكم عبثا، ولم يمكنكم هدى... الحذر، والحذر عباد الله فقد حذركم الله نفسه، فلا تعرضوا للندم، واستجلاب النقم، والمصير إلى

(1) التوحيد (ص 34 - 41).
(٣٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 336 337 338 339 340 341 342 343 344 345 346 ... » »»
الفهرست