حياة الإمام الرضا (ع) - الشيخ باقر شريف القرشي - ج ٢ - الصفحة ٣٣٨
فترى من جهله ما يستدل به عليه، فبعث إليه فأتاه فقال له بنو هاشم: يا أبا الحسن اصعد المنبر، وانصب لنا علما نعبد الله عليه، فصعد المنبر، فقعد مليا لا يتكلم، ثم انتفض واستوى قائما، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبي وأهل بيته، ثم قال:
" أول عبادة الله معرفته، وأصل معرفة الله توحيده ونظام توحيد الله نفي الصفات عنه، لشهادة العقول أن كل صفة وموصوف مخلوق (1) وشهادة كل مخلوق أن له خالقا ليس بصفة، ولا موصوف، وشهادة كل صفة وموصوف بالاقتران، وشهادة الاقتران بالحدث، وشهادة الحدث بالامتناع من الأزل الممتنع من الحدث، فليس الله عرف، من عرف بالتشبيه ذاته (2) ولا إياه وحده من اكتنهه (3) ولا حقيقته أصاب من مثله، ولا به صدق من نهاه (4) ولا صمد صمده من أشار إليه (5) ولا إياه عنى من شبهه، ولا له تذلل من بعضه، ولا إياه أراد من توهمه.
كل معروف بنفسه مصنوع، وكل قائم في سواه معلول، بصنع الله يستدل عليه، وبالعقول يعتقد معرفته، وبالفطرة تثبت حجته (6) خلق الله الخلق حجابا بينه وبينهم، ومباينته إياهم مفارقته إنيتهم، وابتداؤه إياهم دليلهم على أن لا ابتداء له لعجز كل مبتدئ عن ابتداء غيره، وأدوات إياهم دليل على أن لا أداة فيه لشهادة الأدوات بفاقة المتأدين.
وأسماؤه تعبير، وافعال تفهيم، وذاته حقيقة وكنهه تفريق بينه وبين خلقه، وغبوره تحديد لما سواه، فقد جهل الله من استوصفه، وقد تعداه من اشتمله (7) وقد أخطأه من اكتنهه، ومن قال: كيف فقد شبهه، ومن قال: لم؟ فقد علله، ومن قال:

(1) أراد كل صفة وموصوف متعددان ذاتا أو اعتبارا فإنهما من صفات الممكن أما الواجب تعالى فان صفاته عين ذاته، ولا تعدد بينه وبين صفاته.
(2) يريد انه لا يعرف الله، من يشبه ذات الله تعالى.
(3) يريد: أن من يطلب كنهه تعالى وحقيقته فهو ليس من الموحدين لأنه قد جعله من الممكنات التي يمكن معرفتها.
(4) أراد انه لم يصدق بالله تعالى من جعل له نهاية.
(5) يعنى ان من أشار إلى الله تعالى فقد ضل عن الطريق لان الله ليس له جهة خاصة حتى يشار لأنه أينما تولوا فثم وجه الله تعالى.
(6) أراد ان الله معروف ومعلوم بالفطرة الأصيلة وبالعقول النيرة المستقيمة، فان جميع الوجود تدلل عليه.
(7) المعنى انه قد توهم، وبعد عن الصواب من تصور انه أحاط بمعرفة الخالق العظيم.
(٣٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 333 334 335 336 337 338 339 340 341 342 343 ... » »»
الفهرست