واعلم أني رجل طالب النجاة لنفسي، واجتهدت فيما يرضى الله عز وجل عني، وفي عمل أتقرب به إليه، فلم أجد رأيا يهدي إلى شئ من ذلك، فرجعت إلى القرآن الذي فيه الهدى والشفاء، فتصفحته سورة سورة، وآية، آية، فلم أجد شيئا أزلف للمرء عند ربه من الشهادة في طلب مرضاته.
ثم تتبعته ثانية أتأمل الجهاد أيه أفضل، ولأي صنف، فوجدته جل وعلا يقول: (قاتلوا الذين يلونكم من الكفار، وليجدوا فيكم غلظة) فطلبت أي الكفار أضر على الاسلام، وأقرب من موضعي فلم أجد أضر على الاسلام منك، لان الكفار أظهروا كفرهم فاستبصر الناس في أمرهم، وعرفوهم فخافوهم، وأنت ختلت المسلمين بالاسلام، وأسررت الكفر، فقتلت بالظنة، وعاقبت بالتهمة، وأخذت مال الله من غير حله، وشربت الخمر المحرمة صراحا، وأنفقت مال الله على الملهين، وأعطيته المغنين ومنعته من حقوق المسلمين، فغششت بالاسلام، وأحطت بأقطاره إحاطة أهله، وحكمت فيه للمشرك، وخالفت الله ورسوله في ذلك خلافة المضاد المعاند.
فان يسعدني الدهر، ويعينني الله عليك، بأنصار الحق أبذل نفسي في جهادك بذلا يرضاه مني، وان يمهلك ويؤخرك ليجزيك بما تستحقه في منقلبك، أو تختر مني الأيام قبل ذلك فحسبي من سعيي ما يعلمه الله عز وجل من نيتي والسلام...
" (1).
ووضعت هذه الرسالة المأمون على طاولة التشريح، فأظهرت زيفه، وكشفت خداعه، ودجلة، وانه لا واقع بأي حال من الأحوال إلى ما يزعمه من الولاء والحب لأهل البيت.
أما الفصول الأخيرة من هذه الرسالة، فقد ألحقت المأمون بقافلة الكفار الذين يجب جهادهم، والإطاحة بهم، كما بينت سياسة المأمون، وأنها تأخذ الناس بالظنة وتعاقبهم بالتهمة وبالإضافة إلى ذلك، فقد أعربت عن تحلل المأمون، وذلك بشربه للخمر، وانفاقه لأموال المسلمين على الملاهي والمغنين والعابثين والماجنين.
لقد كانت هذه الرسالة صرخة مدوية في وجه الطاغية المأمون، وهي من الصفحات المشرقة في مناهضة الظلم والطغيان.