وبعد هذا فما الذي دعا المأمون إلى هذا التغيير المفاجئ والعدول عن خطة آبائه ومنهجهم فعقد ولاية العهد إلى الإمام الرضا (عليه السلام)؟ كما أنه كيف انصاع الإمام الرضا إلى ذلك مع علمه بانحراف المأمون، وما يكنه في ذخائر نفسه من البغض لأهل البيت (عليهم السلام)؟ وهذا ما سنتحدث عنه.
دوافع المأمون:
ولا بد لنا من وقفة قصيرة للنظر في الأسباب والدوافع التي دعت المأمون إلى عقده بولاية العهد للإمام الرضا (عليه السلام) وهذه بعضها:
1 - إنه لم يكن له مركز قوي في الدولة الاسلامية، فقد كانت الأسرة العباسية تحتقره، وذلك من جهة أمه (مراجل) التي كانت من خدم القصر، مضافا إلى صلته القوية بالفضل بن سهل، وتوليته جميع أموره، وهو فارسي الأصل، وكذلك كان أخوه الأمين يبغضه ويبغي له الغوائل، ويكيده من جهة منافسته له على السلطة، فأراد المأمون تدعيم مركزه، وتقوية نفوذه، والتغلب على الحاقدين عليه، فعقد بولاية العهد لأعظم شخصية في العالم الاسلامي وهو الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) فهو ابن الإمام الصادق الملهم الأول لقضايا الفكر والعلم في الاسلام، كما يدين بإمامته والولاء له شطرا كبير من المسلمين، فلذا بادر إلى تعيينه لهذا المنصب الخطر في الدولة الاسلامية.
2 - وقبل أن يتسلم المأمون قيادة الدولة الاسلامية كان على علم بما يكنه المجتمع الاسلامي من الكراهية والبغض للأسرة العباسية، وذلك لما اقترفوه من الظلم والاستبداد بأمور المسلمين، وما صبوه على السادة العلويين دعاة العدل الاجتماعي من أنواع الجور والطغيان، حتى تمنى المسلمون عودة الحكم الأموي على ما فيه من قسوة وعذاب يقول الشاعر:
يا ليت جور بنى مروان عاد لنا * وليت عدل بني العباس في النار ويقول شاعر آخر:
ما أحسب الجور ينقضي وعلى * الأمة وال من آل عباس فأراد المأمون ان يفتح صفحة جديدة للمواطنين، ويلقي الستار على سياسة آبائه، فعين الإمام الرضا (عليه السلام)، والذي هو أمل الأمة الاسلامية لولاية العهد.