حياة الإمام الرضا (ع) - الشيخ باقر شريف القرشي - ج ١ - الصفحة ١٦
(9) ودرسنا بعمق وشمول سيرة ملوك بني العباس الذين عاصرهم الإمام الرضا (عليه السلام)، فقد كانت سيرتهم شبيهة إلى حد بعيد بسيرة ملوك الأمويين الذين اتخذوا مال الله دولا، وعباد الله خولا، وليس في سيرتهم بعد الدراسة الجادة أي جد أو نشاط للعمل الصالح، وما ينفع المسلمين، وانما كانت سيرهم غنية بالملذات، وثرية بالشهوات، فقد انفقوا علي لياليهم الحمراء، في بغداد، الملايين من أموال المسلمين، وقد حظي بالثراء من قبلهم المغنون والعابثون والماجنون، في حين أن الفقر والبؤس قد اخذا بخناق الناس.
وكان من مظاهر حكمهم أن شرعت سياطهم، وشهرت سيوفهم، وفتحت أبواب سجونهم للأحرار، وفي طليعتهم السادة العلويون الذين كانوا يطالبون بتحقيق العدالة الاجتماعية وقد لاقى الزراع، وذوو الحرف، وأرباب الصناعات ضروبا قاسية ومرهقة من المحن والخطوب من الجباة الذين كانوا يجلبون الخراج وسائر الضرائب، فكانوا يأخذونها بمنتهى الشدة، والقسوة، إذ قد الهبت سياطهم أبدان الناس، وامعنوا في ظلمهم إلى حد بعيد.
(10) أما دراسة التأريخ الاسلامي فيجب أن تكون موضوعية ونزيهة وبعيدة عن التيارات المذهبية، والعواطف التقليدية، فقد خلط التأريخ بكثير من الموضوعات أوجبت خفاء الحق، وستر الحقائق، فمن الواجب بذل المزيد من الجهد لمعرفة الصحيح من السقيم، والحق من الباطل.
وكان من بين ما مني به التأريخ من الخلط والخبط اضفاء النعوت الكريمة، والألقاب العظيمة على الكثيرين من ملوك بني أمية وبني العباس، فقد لقبوا بخلفاء الله في الأرض، وهذا اللقب الكريم يمثل الحق، والعدل، والقانون، وأعوذ بالله أن يتصف به أمثال يزيد ومروان والوليد، وأمثالهم من ملوك بني العباس الذين حولوا حياة الناس إلى جحيم لا يطاق.
إن بعض المؤرخين والكتاب يرون أن المقياس في سمو الشخص وعظيم مكانته استيلاؤه على كرسي الحكم، وتسلمه لزمام السلطة العامة في البلاد، وهذا ليس بصحيح اطلاقا، فان المقياس في الفكر الاسلامي هو ما يسديه الحاكم من
(١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 ... » »»
الفهرست