ولكن الجواب على هذا قد اتضح مما قدمناه، فإن المأمون لم يكن يريد في بادئ الأمر موت الإمام، ولا كان يستطيع أن يفعل ذلك.
ولو أن ذلك كان قد حدث لوقع المأمون في ورطة، لها أول وليس لها آخر، حيث إنه كان بأمس الحاجة إلى حياة الإمام (ع)، وذلك لما قدمناه من الأسباب والظروف التي كانت تحتم على المأمون أن يلعب لعبته تلك، التي وإن كانت تنطوي على مخاطرة جريئة، إلا أنه كان - كما قدمنا - قد رسم الخطة، وأحكم التدبير للتخلص من الإمام (ع) بمجرد أن يحقق مآربه، وأهدافه، بالطريقة التي لا تثير شك أحد، ولا توجب تهمة أحد، وقد حدث ذلك بالفعل، كما سيمر علينا..
وأما كتمه لفضائل الإمام (ع):
ومن جملة الأمور التي كانت تدور في فلك خطة المأمون، التي لخصها بأنه يريد الوضع من الإمام قليلا قليلا، حتى يصوره أمام الرعية بصورة من لا يستحق لهذا الأمر - محاولاته كتم فضائل الإمام (ع) ومزاياه عن الناس ما استطاع إلى ذلك سبيلا.. وقد تقدم: أنه عندما سأل رجاء بن أبي الضحاك، الذي تولي إشخاص الرضا (ع) من المدينة إلى مرو، عن حال الرضا (ع) في الطريق، فأخبره عما شاهده من عبادته (ع)، وزهده وتقواه، وما ظهر له من الدلائل والبراهين، قال له المأمون: ".. بلى يا ابن أبي الضحاك، هذا خير أهل الأرض، وأعلمهم، وأعبدهم، فلا تخبر أحدا بما شهدت منه، لئلا يظهر فضله إلا على لساني.. "!.
وهكذا: فإن المأمون وإن استطاع أن يمرر الكثير، إلا أنه لم يكن يجد بدا في كثير من الأحيان من أن يظهر على حقيقته وواقعه. وهذا هو أحد تلك المواقف التي مرت وسيمر معنا بعضها، والتي اضطر فيها