يعلم خائنة الأعين، وما تخفي الصدور. وقوله اللاحق: لكنني امتثلت أمر أمير المؤمنين، وآثرت رضاه.. فلسوف نعرف: أنه (ع) يعرض هنا بالمأمون نفسه، ويقول الناس جميعا: إنه لا يشك في أن المأمون سوف ينقض العهد، ويحل العقدة.
ويلاحظ هنا أيضا: أنه وصف هذه العقدة بأنها مما أمر الله بشدة، وأحب إيثاقه.. وهذا لعله لا يختلف عما كان (ع) يردده، ويؤكد عليه كثيرا، ونص عليه آنفا، وهو أن المأمون لم يجعل له إلا الحق الذي جهله غيره، واغتصبه هو وآباؤه، منه (ع) ومن آبائه..
وإذا ما وصلنا إلى قوله (ع): ".. بذلك جرى السالف، فصبر منه على الفلتات، ولم يعترض بعدها على العزمات، خوفا من شتات الدين، واضطراب حبل المسلمين، ولقرب أمر الجاهلية الخ.. ".
فإننا نراه كأنه يستشهد لإطاعته المأمون، وعدم إصراره على الرفض الموجب لتعريض نفسه، والعلويين، وشيعته لهلاك، والاضطهاد - يستشهد لذلك - بما جرى لسالفه: وهو أمير المؤمنين علي (ع)، حيث صبر على الفلتات (1) التي كانت من خلفاء عصره، ولم يعترض (ع) على ما كانوا قد عقدوا العزم عليه، من المضي قدما في مخططاتهم، التي كانت تستهدف إبعاده عن مسرح السياسة، وتكريس الأمر الواقع، وتثبيته، لأنه يخدم مصالحهم، ويرضي مطامحهم.
- لم يعترض علي (ع) على ذلك - لأنه خاف من شتات الدين،