ويقول (ع) في وثيقة العهد، بعد تلك العبارة مباشرة: ".. فوصل أرحاما قطعت، وآمن أنفسا فزعت، بل أحياها وقد تلقت، وأغناها إذا افتقرت ".
وهو كما ترى.. في حين يشكر المأمون، ويكتب تحت اسمه: " بل جعلت فداك " (حسب رواية الإربلي فقط)، لا ينسى أن يشوب ذلك بالازراء ضمنا على آبائه العباسيين. ويذكر بما اقترفوه في حق العلويين، حيث كانوا يلاحقونهم تحت كل حجر ومدر، ويطلبونهم في كل سهل وجبل، كما قدمنا..
هذا.. ولا بأس أن نقف قليلا عند قوله: " وإنه جعل إلي عهده، والإمرة الكبرى - إن بقيت - بعده. ".
فإننا لا نكاد نتردد في أنه (ع) يشير بقوله: إن بقيت بعده إلى ذلك الفارق الكبير بالسن بينه (ع)، وبين المأمون، وأنه يتعمد توجيه الأنظار إلى عدم طبيعية هذا الأمر، وإلى عدم رغبته فيه.
وإنه كان يريد أن يعرف الناس بأنه يتوقع في أن لا يدخر المأمون وسعا من أجل التخلص منه، ولو بالاعتداء على حياته (ع)، فيما لو سنحت له الفرصة لذلك، بعد أن يكون قد حقق كل ما كان يريد تحقيقه، ووصل إلى ما كان يطمح إلى الوصول إليه، حيث لا بد حينئذ أن " يحل العقدة التي أمر الله بشدها ". ولا بد أيضا أن تنكشف خيانته للملأ، ويظهر ما يخفيه في صدره، على حد تعبيره (ع)..
وإلا فما هو الداعي له (ع) لإقحام هذا الشرط - إن بقيت - في أثناء مثل هذا الكلام.
وإننا إذا نظرنا بعمق إلى قوله بعد ذلك: فمن حل عقدة أمر الله بشدها، وفصم عروة أحب الله إيثاقها.. ". وتأملنا قوله السابق: