ولعل الأهم من كل ذلك.. أنها ضيعت على المأمون الكثير من أهدافه من البيعة، التي صرح الإمام (ع) أنه كان عارفا بها، ولم يكن له خيار في تحملها، والصبر عليها، إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.
وعدا عن ذلك كله أن تعاونه مع النظام إنما يعني أن يحاول تصحيح السلوك، وتلافي الأخطاء، التي كان يقع فيها الحكم، والهيئة الحاكمة.
وذلك معناه أن ينقلب جهاز الحكم كله ضد الإمام، ويجد المأمون - من ثم - العذر، والفرصة لتصفيته (ع) من أهون سبيل، فشروطه تلك أبعدت عنه الخطر - إلى حد ما - الذي كان يتهدده من قبل المأمون وأشياعه، وجعلته - كما قلنا - في منأى ومأمن من كل مؤامراتهم ومخططاتهم.
الإمام.. لا ينفذ إرادات الحكم:
ولعل من الأهمية بمكان... أن نشير إلى أنه (ع) كان يريد بشروطه تلك أن يفهم المأمون: أنه ليس على استعداد لتنفيذ إرادات الحكم، والحاكم، ولا على استعداد لأن يقتنع بالتشريفات، والأمور الشكلية، فإنه.. بصفته القائد والمنقذ الحقيقي للأمة، لا يمكن أن يرضى بديلا عن أن ينقذ الأمة، ويرتفع بها من مستواها الذي أوصلها إليه الطواغيت والظلمة، الذين جلسوا في مكان رسول الله صلى الله عليه وآله، وأوصيائه عليهم السلام، وحكموا بغير ما أنزل الله.
إنه يريد أن يخدم الأمة، ويحقق لها مكاسب تضمن لها الحياة الفضلى، والعيش الكريم، ولا يريد أن يخدم نفسه، ويحقق مكاسب شخصيته على حساب الآخرين، ولذلك فهو لا يستطيع أن يقتنع بالسطحيات والشكليات التي لا تسمن، ولا تغني من جوع..