البحث حول المهدي عجّل اللّه فرجه - السيد محمد باقر الصدر - ج ١ - الصفحة ٤٩
حياته على الرغم من أنه يعيش معهم انتظارا للحظة الموعودة.
ومن الواضح أن الفكرة بهذه المعالم الإسلامية، تقرب الهوة الغيبية بين المظلومين كل المظلومين والمنقذ المنتظر، وتجعل الجسر بينهم وبينه في شعورهم النفسي قصيرا مهما طال الانتظار.
ونحن حينما يراد منا أن نؤمن بفكرة المهدي، بوصفها تعبيرا عن إنسان حي محدد يعيش فعلا كما نعيش، ويترقب كما نترقب، يراد الإيحاء إلينا بأن فكرة الرفض المطلق لكل ظلم وجور التي يمثلها المهدي، تجسدت فعلا في القائد الرافض المنتظر، الذي سيظهر وليس في عنقه بيعة لظالم كما في الحديث (1)، وأن الإيمان به إيمان بهذا الرفض الحي القائم فعلا ومواكبة له.
وقد ورد في الأحاديث الحث المتواصل على انتظار الفرج، ومطالبة المؤمنين بالمهدي أن يكونوا بانتظاره. وفي ذلك تحقيق لتلك الرابطة الروحية، والصلة الوجدانية بينهم وبين القائد الرافض، وكل ما يرمز إليه من قيم، وهي رابطة وصلة ليس بالإمكان إيجادها ما لم يكن المهدي قد تجسد فعلا في إنسان حي معاصر (2).
وهكذا نلاحظ أن هذا التجسيد أعطى الفكرة زخما جديدا، وجعل منها

(1) ورد عنه (عليه السلام) أنه سيظهر وليس في عنقه بيعة لظالم، راجع: الاحتجاج / الطبرسي 2: 545.
(2) إشارة إلى أن (المهدي) ليس مجرد حلم أو فكرة تداعب أفكار المظلومين وتناغي شعورهم، بل هو حقيقة حية مجسدة متشخصة في ذات إنسان بعينه، ومن هنا تكون الفكرة ملامسة لوجدانهم، يعيشون بها، ويعيشون لها، ويسهمون في التحضير والتهيئة للالتحام في المعركة الفاصلة التي سيقودها القائد المنتظر، ولو كانت مجرد حلم أو فكرة، فليس من المتوقع أن تكون مثل تلك الصلة الوجدانية والشعورية. ومن هنا تتأتى أهمية الانتظار، وتبين فلسفته وغاياته، وهو في جملته يتسق مع حالة الترقب والإرهاص التي تسبق ظهور المنقذين من الأنبياء والمصلحين.
(٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 ... » »»