البحث حول المهدي عجّل اللّه فرجه - السيد محمد باقر الصدر - ج ١ - الصفحة ٤٧
فيه كل تلك التناقضات ويسود فيه الوئام والسلام. وهكذا نجد أن التجربة النفسية لهذا الشعور التي مارستها الإنسانية على مر الزمن، من أوسع التجارب النفسية وأكثرها عموما بين أفراد الإنسان.
وحينما يدعم الدين هذا الشعور النفسي العام، ويؤكد أن الأرض في نهاية المطاف ستمتلئ قسطا وعدلا بعد أن ملئت ظلما وجورا (1)، يعطي لذلك الشعور قيمته الموضوعية ويحوله إلى إيمان حاسم بمستقبل المسيرة الإنسانية، وهذا الإيمان ليس مجرد مصدر للسلوة والعزاء فحسب، بل مصدر عطاء وقوة. فهو مصدر عطاء، لأن الإيمان بالمهدي إيمان برفض الظلم والجور حتى وهو يسود الدنيا كلها، وهو مصدر قوة ودفع لا تنضب (2)، لأنه بصيص نور يقاوم اليأس في نفس الإنسان، ويحافظ على الأمل المشتعل في صدره مهما ادلهمت الخطوب وتعملق الظلم، لأن اليوم الموعود يثبت أن بإمكان العدل أن يواجه عالما مليئا بالظلم والجور فيزعزع ما فيه من أركان الظلم، ويقيم بناءه من جديد (3)، وأن الظلم مهما تجبر وامتد في أرجاء العالم وسيطر على مقدراته، فهو حالة غير طبيعية، ولا بد أن ينهزم (4). وتلك الهزيمة الكبرى المحتومة للظلم وهو في قمة مجده، تضع الأمل كبيرا

(1) إشارة إلى الحديث الشريف المتواتر: " لو لم يبق من الدهر إلا يوم لبعث الله رجلا من أهل بيتي يملؤها عدلا كما ملئت جورا ". راجع: صحيح سنن المصطفى لأبي داود 2: 207، وراجع:
التاج الجامع للأصول للشيخ منصور علي ناصف 5: 343.
(2) هذا رد على من يزعم بأن العقيدة في الإمام المهدي تورث الخمول والسلبية، وهو أبلغ رد مستفاد من الحديث الشريف نفسه.
(3) إشارة إلى دولة الإمام (عليه السلام) التي أشار إليها الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، راجع: التاج الجامع للأصول 5: 343.
(4) إشارة إلى الوعد الإلهي في قوله تعالى: (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين) القصص: 5 وأيضا إشارة إلى قوله تعالى: (ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) التوبة: 33. راجع في تفسير الآيتين الإشارة إلى المهدي (عليه السلام) ينابيع المودة / القندوزي الحنفي: ص 450.
(٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 ... » »»