في حجره بتلك الأقطار المحمية، وأخذ عن والده وغيره من الجهابذ حتى أذعن له كل مناضل ومنابذ، فلما اشتد كاهله وصفت له من العلم مناهله ولى بها شيخ الاسلام وفوضت إليه أمور الشريعة على صاحبها الصلاة والسلام، ولم يزل آنفا من الانحياش إلى السلطان راغبا في العزلة عازفا عن الأوطان، يؤمل العود إلى السياحة، ويرجو الاقلاع عن تلك الساحة، فلم يقدر له حتى وافاه حمامه، وترنم على أفنان الجنان حمامه، وأخبرني بعض ثقاة الأصحاب ان الشيخ (ره) قصد قبل وفاته زيارة المقابر في جمع من الاجلاء الأكابر فما استقر بهم الجلوس حتى قال لمن معه اني سمعت شيئا فهل فيكم من سمعه؟ فأنكروا سؤاله واستغربوا مقاله، وسألوه عما سمعه فأوهم وعمى في جوابه، ثم رجع إلى داره فأغلق بابه فلم يلبث ان أصاب داعي الردى فأجابه، وكانت وفاته لاثنتي عشرة خلون من شوال المكرم سنة 1031 (غلا) بأصبهان ونقل قبل دفنه إلى طوس فدفن بها في داره قريبا من الحضرة الرضوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام والتحية انتهى حكي عن المجلسي الأول قال في ترجمة أستاذه الشيخ بهاء الدين انه سمع قبل وفاته بستة أشهر صوتا من قبر بابا ركن الدين وكنت قريبا منه فنظر إلينا وقال:
سمعتم ذلك الصوت؟ فقلنا: لا فاشتغل بالبكاء والتضرع والتوجه إلى الآخرة وبعد المبالغة العظيمة قال: اني أخبرت باستعداد الموت وبعد ذلك بستة أشهر تقريبا توفى، وتشرفت بالصلاة عليه مع جميع الطلبة والفضلاء وكثير من الناس يقربون من خمسين ألفا إنتهى.
أقول: حكي ان الذي سمعه الشيخ كان هذا (شيخنا در فكر خود باش)، له مصنفات فائقة مشهورة أكثرها مطبوعة، منها حبل المتين، ومشرق الشمسين والأربعين، والجامع العباسي، والكشكول، والمخلاة، والعروة الوثقى، ونان وحلوا والزبدة، والصمدية، وخلاصة الحساب، وتشريح الأفلاك، والرسالة الهلالية، ومفتاح الفلاح في عمل اليوم والليلة، وهذه الكتب كلها