بذي الفقار ضربة رمى رأسه عن بدنه، فوقع الفيل إلى الأرض كالجبل العظيم، وأخذ الكندي عن ظهره فأخبر جبرئيل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فارتقى على السور فنادى:
«أبا الحسن هبه لي فهو أسيرك»، فأطلق علي سبيل الكندي، فقال: يا أبا الحسن!
ما حملك على إطلاقي؟! قال: ويلك مد نظرك، فمد عينيه فكشف الله عن بصره فنظر النبي على سور المدينة وصحابته، فقال: من هذا يا أبا الحسن؟ فقال: سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال: كم بيننا وبينه؟ قال: مسيرة أربعين يوما، فقال: يا أبا الحسن إن ربكم رب عظيم ونبيكم نبي كريم، مد يدك فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وقتل علي الجلندي، وغرق في البحر منهم خلقا كثيرا وقتل منهم كذلك، وأسلم الباقون وسلم الحصن إلى الكندي وزوجه بابنة الجلندي، وأقعد عندهم قوما من المسلمين يعلمونهم الفرائض (1).
قال ابن أبي الحديد في فتح مكة وغزوة عمان:
فألقى إليك السلم من بعد ما عصى * جلند وأعيى تبع ثم قيصر يفهم من هذا الحديث أنه (عليه السلام) كان مكمن الأنوار الإلهية، ولكنه كان يظهرها حسب مقتضى المصلحة والحكمة ليعلم الناس أنه يحتوي على هذه الصفات الحقة، وإنما لم يظهرها دائما لأن المصالح تقتضي ذلك، ومن تلك المصالح أنه لو كان يظهر هذه الأمور على الدوام لأعتقد الناس جميعا أو أغلبهم بألوهيته «والعياذ بالله»، وهذا المعنى ينافي اقتضاء حاله (عليه السلام)، وقد جعلهم الله سببا لهداية الخلق وسفنا للنجاة وليس سببا للضلالة; ولنعم ما قال الشاعر: