ولما كان نبينا أفضل الأنبياء، ووصي نبينا أفضل الأوصياء، وأسباطه أفضل الأسباط، وكتابه أشرف الكتب السماوية، ودينه وشريعته أفضل الأديان والشرائع، وزمانه أفضل الأزمنة، وأمته أشرف الأمم; فلا بد أن تكون سيدة نساء عالمه أيضا أفضل نساء العالمين طرا.
وعلى ما هو المعلوم، فإن اصطفاء مريم (عليها السلام) كان لخصائص معدودة ومحصورة - كما بينا ذلك في معنى الاصطفاء - بينما اصطفاء الزهراء على نساء العالمين عامة، وعلى مريم خاصة كان لصفات وخصائص خارجة عن حد الحصر والإحصاء. بل إن فاطمة (عليها السلام) جمعت ما كان عند مريم من خصال وزيادة، فإذا فضلت على مريم، فتفضيلها على الآخرين - رجالا ونساء - أولى بالبيان الذي مر.
ويرد قول الفخر الرازي أيضا في تفضيل مريم على نساء العالمين وعلى فاطمة بظاهر الآية المباركة (اصطفاك على نساء العالمين) بقوله تعالى ﴿إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم على العالمين﴾ (1)، فلا شك أن آدم ونوح لم يكونا مصطفيين على العالمين مع وجود النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
وقال صاحب تفسير روح البيان: «المراد من العالمين إصفاء كل واحد على عالمه وفي زمانه، أي اصطفى كل واحد منهم على عالمي زمانه من عالم البر والبحر، والأرض والسماء».
ومن المناسب أن نقارن بين حالات مريم (عليها السلام) وحالات فاطمة الزهراء (عليها السلام) ونذكر ما اتفقتا فيه، وما فاقت فيه فاطمة (عليها السلام) مريم (عليها السلام).