ثم إن الله خلق الظلمة بالقدرة، فأرسلها في سحائب البصر، فقالت الملائكة: سبوح قدوس ربنا، مذ عرفنا هذه الأشباح ما رأينا سوء; فبحرمتهم إلا كشفت ما نزل بنا، فهنالك خلق الله تعالى قناديل الرحمة وعلقها على سرادق العرش، فقالت الملائكة: إلهنا لمن هذه الفضيلة وهذه الأنوار؟! فقال: هذا نور أمتي فاطمة الزهراء (عليها السلام)، فلذلك سميت أمتي الزهراء لأن السماوات والأرضين بنورها زهرت، وهي آنية نبيي وزوجة وصيه (1).
ولا تعارض بين ظهور نور تلك المخدرة في السماوات وبين سبق النور النبوي المقدس وقدمه، فهذا الإظهار والأزهار جلوة من جلوات سيدة الكائنات، كما أن الوجود الفاطمي المقدس جلوة من الجلوات المحمدية (صلى الله عليه وآله وسلم).
روى الشيخ المفيد والشيخ الطوسي والطبرسي وصاحب كشف الغمة رضوان الله عليهم عن الفضل بن شاذان معنعنا عن الإمام موسى بن جعفر، قال:
«إن الله تبارك وتعالى خلق نور محمد من اختراعه من نور عظمته وجلاله، وهو نور لاهوتيته الذي تبدى وتجلى لموسى (عليه السلام) في طور سيناء، فما استقر له ولا أطاق موسى لرؤيته ولا ثبت له حتى خر صعقا مغشيا عليه، وكان ذلك النور نور محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلما أراد أن يخلق محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) منه، قسم ذلك النور شطرين: فخلق من الشطر الأول محمدا، ومن الشطر الآخر علي بن أبي طالب، ولم يخلق من ذلك النور غيرهما، خلقهما بيده، ونفخ فيهما بنفسه لنفسه، وصورهما على صورتهما، وجعلهما أمناء له وشهداء على خلقه، وخلفاء على خليقته، وعينا له عليهم، ولسانا له إليهم، قد استودع فيهما علمه، وعلمهما البيان، واستطلعهما على غيبه،