السيرة الحلبية - الحلبي - ج ٣ - الصفحة ٤٥٥
وحسن السياسة والتدبير وقد بلغ من ذلك صلى الله عليه وسلم الغاية التي لم يبلغها بشر سواه ومما يكاد يقضى منه العجب حسن تدبيره صلى الله عليه وسلم للعرب الذين هم كالوحوش الشاردة كيف ساسهم واحتمل جفاهم وصبر على أذاهم إلى أن انقادوا اليه صلى الله عليه وسلم واجتمعوا عليه واختاروه على أنفسهم وقاتلوا دونه أهلهم وآباءهم وأبناءهم وهاجروا في رضاه أوطانهم انتهى والله أعلم باب يذكر فيه مدة مرضه وما وقع فيه ووفاته صلى الله عليه وسلم التي هي مصيبة الأولين والآخرين من المسلمين ذكر أنه صلى الله عليه وسلم خرج إلى البقيع من جوف الليل فاستغفر لهم فعن أبي مويهيه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له في جوف الليل إني قد أمرت أن استغفر لأهل البقيع فانطلق معي قال فانطلقت معه فلما وقف بين أظهرهم قال السلام عليكم يا أهل المقابر ليهن لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه لو تعلمون ما نجاكم الله منه أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أولها والأخيرة شر من الأولى قال ثم أقبل علي وقال يا ابا مويهية هل علمت أني قد أوتيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة وخيرت بين ذلك وبين لقاء ربي فاخترت لقاء ربي والجنة أي وفي رواية أن أبا مويهية قال له والله يا أبا مويهية لقد اخترت لقاء ربي والجنة ثم رجع صلى الله عليه وسلم إلى أهله فلما أصبح ابتدئ بوجعه من يومه ذلك ابتدأه الصداع أي وفي رواية ذهب بعد ذلك إلى قتلى أحد فصلى عليهم فرجع معصوب الرأس فكان ذلك بدء الوجع الذي مات فيه وفي رواية رجع من جنازة البقيع قالت عائشة رضي الله عنها لما رجع من البقيع وجدني وأنا أجد صداعا في رأسي وأنا أقول وا رأساه فقال صلى الله عليه وسلم بل أنا وا رأساه قال لو كان ذلك وأنا حي فأستغفر لك وأدعو لك وأكفنك وأدفنك وفي لفظ وما يضرك لو مت قبلي فقمت عليك وكفنتك
(٤٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 450 451 452 453 454 455 456 457 458 459 460 ... » »»