السيرة الحلبية - الحلبي - ج ٣ - الصفحة ٤٤٤
وجاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل المسجد وأناخ راحلته بفنائه فقال بعض الصحابة لنعيمان لو نحرتها فأكلناها فإنا قد قرمنا إلى اللحم ويغرم رسول الله صلى الله عليه وسلم حقها فنحرها نعيمان فخرج الأعرابي فرأى راحلته فصاح واعقراه يا محمد فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فقال من فعل هذا قالوا نعيمان فأتبعه صلى الله عليه وسلم يسأل عنه فوجده في دار ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب قد اختفى في خندق وجعل عليه الجريد فأشار إليه رجل ورفع صوته ما رأيته يا رسول الله وأشار بأصبعه حيث هو فأخرجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تعفر وجهه بالتراب فقال له ما حملك على ما صنعت قال الذين دلوك علي يا رسول الله هم اللذين أمروني فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح عن وجهه التراب ويضحك ثم غرم صلى الله عليه وسلم ثمنها وكان رضي الله عنه إذا دخل المدينة طرفة اشتراها في ذمته ثم جاء بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويقول يا رسول اله هذه هدية فإذا جاء صاحبها يطلب ثمنها جاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له أعط هذا ثمن ما جئت به إليك فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم أو لم تهد ذلك لي فيقول يا رسول الله لم يكن عندي ثمنه وأحببت أن يكون لك فيضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ويأمر لصاحبه بثمنه وكان صلى الله عليه وسلم دائم البشر ضحوك السن أي أكثر أحواله ذلك حسبما رآه هذا المخبر فلا ينافي أنه صلى الله عليه وسلم كان متواصل الأحزان دائم الفكرة ليست له راحة فإنه بحسب ما كان عند ذلك المخبر وفي كلام ابن القيم رحمه الله قد صانه الله عن الحزن في الدنيا وأسبابها ونهاه عن الحزن على الكفار وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فمن أين يأتيه الحزن بل كان دائم البشر ضحوك السن كذا قال وفي كلام الإمام أبي العباس بن تيمية رحمه الله ليس المراد الحزن الذي هو الألم على فوات مطلوب أو حصول مكروه فإن ذلك منهى عنه وإنما المراد به الاهتمام واليقظة لما يستقبله من الأمور وهذا مشترك بين القلب والعين وسئلت عائشة رضي الله عنها عن خلقه صلى الله عليه وسلم فقالت خلقه القرآن أي ما ذكره القرآن * (وإنك لعلى خلق عظيم) * وإنه تأدب بآدابه وتخلق بمحاسنه
(٤٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 439 440 441 442 443 444 445 446 447 448 449 ... » »»