السيرة الحلبية - الحلبي - ج ٣ - الصفحة ٤٥٤
قال وقال صلى الله عليه وسلم يا عائشة إن الدنيا لا تنبغي لمحمد ولا لآل محمد يا عائشة إن الله لم يرض من أولى العزم من الرسل إلا بالصبر وقال * (فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل) * والله لأصبرن جهدي ولا قوة إلا بالله انتهى وكان صلى الله عليه وسلم يقول لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم فإنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله وكان صلى الله عليه وسلم على غاية من الإعراض عن الدنيا وكان يصلي على الحصير وعلى الفروة المدبوغة وربما نام على الحصير فأثرت في جسده الشريف وكان ينام على شيء من أدم محشو ليفا فقيل له في ذلك فقال مالي وللدنيا وعن عائشة رضي الله عنها دخلت امرأة من الأنصار فرأت ذلك الأدم وفي لفظ رأت فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم عباءة مثنية فانطلقت فبعثت إليه بفراش حشوه صوف فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما هذا فقلت يا رسول الله فلانه الأنصارية دخلت علي فرأت فراشك فذهبت فبعثت هذا فقال رديه فلم أرده وأعجبني أن يكون في بيتي حتى قال ذلك ثلاث مرات فقال والله يا عائشة لو شئت لأجرى الله معي جبال الذهب الفضة وعنها رضي الله عنها كانت تفرش تلك العباءة مثنية طاقين ففي بعض الليالي ربعتها فنام صلى الله عليه وسلم عليها ثم قال يا عائشة مالفراشي الليلة ليس كما يكون قلت يا رسول الله ربعتها قال فأعيديه كما كان وكان صلى الله عليه وسلم إذا استجد ثوبا قال اللهم لك الحمد أنت كسوتنيه أسألك من خيره ما صنع له وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له وكان يقول لأصحابه كلهم رضي الله عنهم إذا لبس أحدكم ثوبا فليقل الحمد لله الذي كساني ما أوارى به عورتي وأتجمل به في حياتي وكان أرجح الناس عقلا والعقل مائة جزء تسعة وتسعون في النبي صلى الله عليه وسلم وجزء في سائر الناس وعن وهب بن منبه قرأت في أحد وسبعين كتابا أنه صلى الله عليه وسلم أرجح الناس وأفضلهم رأيا وفي رواية وجدت في جميعها أن الله تعالى لم يعط جميع الناس من بدء الدنيا إلى انتهائها من العقل في جنب عقله صلى الله عليه وسلم إلا كحبة بين رمال الدنيا ومما يتفرع على العقل اقتناء الفضائل واجتناب الرذائل وإصابة الرأي وجودة الفطنة
(٤٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 449 450 451 452 453 454 455 456 457 458 459 ... » »»