وأما ما يرويه الأخباريون والمفسرون أن سبب سجود المشركين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جرى على لسانه من الثناء على الهتهم فباطل لا يصح منه شئ لا من جهة النقل ولا من جهة العقل لان مدح اله غير الله كفر ولا يصح نسبة ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أن يقوله الشيطان على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يصح تسليط الشيطان على ذلك أي وألا يلزم عدم الوثوق بالوحي وقال الفخر الرازي هذه القصة باطلة موضوعة لا يجوز القول بها قال الله تعالى * (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) * أي الشيطان لايجترىء أن ينطق بشئ من الوحي وقال بصحتها جمع منهم خاتمة الحفاظ الشهاب ابن حجر وقال رد عياض لا فائدة فيه ولا يعول عليه هذا كلامه وفشا أمر تلك السجدة في الناس حتى بلغ أرض الحبشة أن أهل مكة أي عضماءهم قد سجدوا وأسلموا حتى الوليد بن المغيرة وسعيد بن العاص وفى كلام بعضهم والناقل لاسلامه أنه لما رأى المشركين قد سجدوا متابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم اعتقد أنهم أسلموا واصطلحوا معه ولم يبق نزاع معهم فطار الخبر بذلك وانتشر حتى بلغ مهاجرة الحبشة فظنوا صحة ذلك فقال المهاجرون بها من بقي بمكة إذا أسلم هؤلاء عشائرنا أحب الينا فخرجوا أي خرج جماعة منهم من أرض الحبشة راجعين إلى مكة أي وكانوا ثلاثة وثلاثين رجلا منهم عثمان بن عفان والزبير ابن العوام وعثمان بن مظعون وذلك في شوال حتى إذا كانوا دون مكة ساعة من نهار لقوا ركبا فسألوهم عن قريش فقال الركب ذكر محمد الهتهم بخير فتابعه الملاء ثم عاد لشتم الهتهم وعادوا له بالشر وتركناهم على ذلك فائتمر القوم في الرجوع إلى أرض الحبشة ثم قالوا قد بلغنا مكة فندخل ننظر ما فيه قريش ويحدث عهدا من أراد بأهله ثم نرجع فدخلوا مكة أي بعضهم بجوار وبعضهم مستخفيا قال في الامتاع ويقال ان رجوع من كان مهاجرا بالحبشة إلى مكة كان بعد الخروج من الشعب هذا كلامه وفيه نظر ظاهر ويرشد اليه التبري لأنهم مكثوا في الشعب ثلاث سنين أو سنتين ومكث هؤلاء عند النجاشي حينئذ كان دون ثلاثة أشهر كما علمت وأيضا الهجرة الثانية للحبشة انما كانت بعد دخول الشعب كما سيأتي
(٩)