فانظر رحمك الله كيف لم يجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم القرابة في النسب وحدها قرابة معتبرة في أحكام الله عز وجل ما لم تقترن بها القرابة الدينية، فإنه كما قد رأيت أخرج بني أمية من ذوي القربى مع كونهم بني أبيه عبد مناف بن قصي، لما كان من عداوتهم له في دين الله تعالى وتكذيبهم لما جاء به من النبوة والرسالة، وكيف جعل بني المطلب بن عبد مناف من ذوي القربى لأجل مسالمتهم له في الجاهلية وتسرعهم إلى مناصرته ومؤازرته وموالاته ومعاضدته وأنهم لم يربؤوا بأنفسهم عن نفسه، بل أمدوه بأنفسهم حيث تخلى عنه الناس ودخلوا معه الشعب مؤمنهم وكافرهم، فالمؤمن دينا والكافر حمية، وتأمل ذلك يظهر لك منه فائدتان إحداهما: أن العبرة بقرابة الدين لا بقرابة الطين.
والثانية: أن مجرد القرابة ليس بشئ، وقد قيل أقرب الوسائل المودة وأبعد النسب البغضاء قال:
وأرى القرابة لا تقرب قاطعا وأرى المودة أكبر الأسباب وقال الأعشى:
ولا تطلبن الود من متباعد ولا تأمنن ذي بغضة إن تقربا فإن القريب من يقرب نفسه لعمر أبيك الخير لا من تنسبا فإذا أقرب الوسائل المودة، وأبعد النسب العقوق، وقد قال تعالى: إنما المؤمنون إخوة (1) فقاربت (2) ولاية الإسلام بين الغرباء.