الناس خبر زكريا عليه السلام وما كان من أمره حين وهبه [الله (1)] ولدا على الكبر وكانت امرأته [مع ذلك (2)] عاقرا في حال شبيبتها وقد أسنت أيضا، حتى لا ييأس أحد من فضل الله ورحمته ولا يقنط من فضله تعالى " ذكر رحمت ربك عبده زكريا إذ نادى ربه نداء خفيا ". قال قتادة عند تفسيرها: إن الله يعلم القلب النقي ويسمع الصوت الخفى. وقال بعض السلف: قام من الليل فنادى ربه مناداة أسرها عمن كان حاضرا عنده مخافته فقال: يا رب يا رب يا رب. فقال الله: لبيك لبيك لبيك. " قال رب إني وهن العظم مني " أي ضعف وخار من الكبر " واشتعل الرأس شيبا " استعارة من اشتعال النار في الحطب أي غلب على سواد الشعر شيبه كما قال ابن دريد في مقصورته:
أما ترى رأسي حاكى لونه * طرة صبح تحت أذيال الدجا واشتعل المبيض في مسوده * مثل اشتعال النار في جمر الغضا وآض عود اللهم يبسا ذاويا * من بعد ما قد كان مجاج الثرى يذكر أن الضعف قد استحوذ عليه باطنا وظاهرا، وهكذا قال زكريا عليه السلام " إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ".
وقوله " ولم أكن بدعائك رب شقيا " أي ما عودتني فيما أسألك إلا الإجابة وكان الباعث له على هذه المسألة أنه لما كفل مريم بنت عمران ابن ما ثان، وكان كلما دخل عليها محرابها وجد عندها فاكهة في غير إبانها (3) ولا في أوانها وهذه من كرامات الأولياء، فعلم أن الرازق للشئ في غير