إلى " آسية " يعلمها بذلك، فاستدعتها إلى منزلها وعرضت عليها أن تكون عندها، وأن تحسن إليها، فأبت عليها وقالت: إن لي بعلا وأولادا، ولست أقدر على هذا إلا أن ترسليه معي. فأرسلته معها، ورتبت لها رواتب، وأجرت عليها النفقات والكساوي والهبات، فرجعت به تحوزه إلى رحلها وقد جمع الله شمله بشملها.
قال الله تعالى: " فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن، ولتعلم أن وعد الله حق " أي كما وعدناها (1) برده ورسالته، فهذا رده، وهو دليل على صدق البشارة برسالته. " ولكن أكثرهم لا يعلمون ".
وقد امتن على موسى بهذا ليلة كلمه، فقال له فيما قال: " ولقد مننا عليك مرة أخرى * إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى * أن اقذفيه في التابوت فاقذفيه في اليم، فليلقه اليم بالساحل، يأخذه عدو لي وعدو له، وألقيت عليك محبة مني " [وذلك أنه كان لا يراه أحد إلا أحبه (2)] " ولتصنع على عيني " قال قتادة وغير واحد من السلف: أي تطعم وترفه وتغذى بأطيب المآكل، وتلبس أحسن الملابس بمرأى منى، وذلك كله بحفظي وكلائتي لك فيما صنعت بك ولك، وقدرته من الأمور التي لا يقدر عليها غيري. " إذ تمشى أختك فتقول هل أدلكم على من يكفله؟
فرددناك إلى أمك كي تقر عينها ولا تحزن، وقتلت نفسا فنجيناك من الغم وفتناك فتونا ". وسنورد حديث الفتون في موضعه بعد هذا إن شاء الله تعالى [وبه الثقة وعليه التكلان (3)].