" ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملا من قومه سخروا منه " أي يستهزئون به استبعادا لوقوع ما توعدهم به، " قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون " أي نحن الذين نسخر منكم ونتعجب منكم في استمراركم على كفركم وعنادكم الذي يقتضى وقوع العذاب بكم وحلوله عليكم.
" فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم ".
وقد كانت سجاياهم الكفر الغليظ والعناد البالغ في الدنيا، وهكذا في الآخرة فإنهم يجحدون أيضا أن يكون جاءهم رسول.
كما قال البخاري: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا عبد الواحد بن زياد، حدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يجئ نوح عليه السلام وأمته، فيقول الله عز وجل هل بلغت؟ فيقول: نعم أي رب. فيقول لامته هل بلغكم؟ فيقولون:
لا ما جاءنا من نبي، فيقول لنوح: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته، فتشهد أنه قد بلغ " وهو قوله تعالى: وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس، ويكون الرسول عليكم شهيدا (1) ".
والوسط العدل. فهذه الأمة تشهد على شهادة نبيها الصادق المصدوق، بأن الله قد بعث نوحا بالحق، وأنزل عليه الحق وأمره به، وأنه بلغه إلى أمته على أكمل الوجوه وأتمها، ولم يدع شيئا مما ينفعهم في دينهم إلا وقد أمرهم به، ولا شيئا مما قد يضرهم إلا وقد نهاهم عنه، وحذرهم منه.