وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون ". وهذا شأن الرسول أن يكون بليغا، أي فصيحا ناصحا، أعلم الناس بالله عز وجل.
وقالوا له فيما قالوا: " ما نراك إلا بشرا مثلنا، وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي، وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين ".
تعجبوا أن يكون بشرا رسولا، وتنقصوا من اتبعه ورأوهم أراذلهم.
وقد قيل إنهم كانوا من أفناد الناس وهم ضعفاؤهم، كما قال هرقل: وهم أتباع الرسل، وما ذاك إلا لأنه لا مانع لهم من اتباع الحق.
وقولهم " بادي الرأي " أي بمجرد ما دعوتهم استجابوا لك من غير نظر ولا روية. وهذا الذي رموهم به هو عين ما يمدحون بسببه رضي الله عنهم : فإن الحق الظاهر لا يحتاج إلى روية ولا فكر ولا نظر، بل يجب اتباعه والانقياد له متى ظهر.
ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مادحا للصديق: " ما دعوت أحدا إلى الاسلام إلا كانت له كبوة غير أبى بكر، فإنه لم يتلعثم ".
ولهذا كانت بيعته يوم السقيفة أيضا سريعة من غير نظر ولا روية: لان أفضليته على من عداه ظاهرة جلية عند الصحابة رضي الله عنهم. ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يكتب الكتاب الذي أراد أن ينص فيه على خلافته فتركه، قال: يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر رضي الله عنه.