معارج الوصول إلى معرفة فضل آل الرسول (ع) - الزرندي الشافعي - الصفحة ٦٧
[صلح الحسن مع معاوية] وقال النبي (ص) يوما في حقه وقد صعد به المنبر: (إن ابني هذا سيد، ولعل الله تعالى أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين) (1).
فوقع ذلك كما أخبر النبي (ص).
وأصلح الله به بين أهل الشام والعراق، لأن الخلافة لما أفضت إليه سار إلى أهل الشام وسار أهل الشام إليه، فلما اجتمعوا بمكان يقال له: مسكن (2) - من ناحية الأنبار - علم الحسن أن إحدى الطائفتين لن تغلب حتى يذهب أكثر الأخرى، فتورع عن القتال، وترك الملك والدنيا رغبة فيما عند الله عز وجل وقال: (ما أحب أن ألي أمر أمة محمد (ص) على أن يراق في ذلك محجمة دم).
فصالح أهل الشام وترك الخلافة لمعاوية على أشياء اشترطها عليه، فقبلها منه وأعطاه إياها، وذلك في جمادي الأولى سنة إحدى وأربعين (3).

(١) المعجم الكبير ٣: ٢٣ / ٢٥٩٢ وسيأتي في ص؟؟؟.
(٢) مسكن: بالفتح ثم السكون وكسر الكاف ونون، وهو موضوع قريب من أوانا على نهر دجيل. معجم البلدان ٥: ١٢٧.
(٣) كان مسير الحسن بن علي (رضي الله عنه) إلى الشام هو استمرار لمسيرة والده الخليفة الرابع كرم الله وجهه لحرب القاسطين الذين عرفهم الشيخ كمال الدين الشافعي في مطالب السؤول: بأنهم الجائرون عن سنن الحق المائلون إلى الباطل، المعرضون عن اتباع الهدى، الخارجون عن طاعة الامام الواجبة طاعته، فإذا فعلوا ذلك واتصفوا به تعين قتالهم، كما اعتمده طائفة تجمعوا واتعبوا معاوية.
وقال البلاذري في أنسابه ٣: ٢٨٠: فخطب الحسن الناس فحضهم على الجهاد وعرفهم فضله، وما في الصبر عليه من الأجر، وأمرهم أن يخرجوا إلى معسكرهم فما اجابه أحد، فقال لهم عدي بن حاتم الطائي: سبحان الله ألا تجيبون امامكم!
وذكر في 3: 285 قول الحسن (رضي الله عنه): (يا أهل العراق أنتم الذين أكرهتم أبي على القتال والحكومة ثم اختلفتم عليه، وقد أتاني أن أهل الشرف منكم قد أتوا معاوية فبايعوه، فحسبي منكم لا تغروني في ديني ونفسي).
وقال ابن منظور في مختصره 7: 35 قال الإمام الحسن (رضي الله عنه): (أما والله ما ثنانا عن قتال أهل الشام ذلة ولا قلة، ولكن كنا نقاتلهم بالسلامة والصبر فشيبت السلامة بالعداوة والصبر بالجزع، وكنتم تتوجهون معنا ودينكم أمام دنياكم، وقد أصبحتم الآن ودنياكم أمام دينكم، فكنا لكم وكنتم لنا وقد صرتم اليوم علينا ثم أصبحتم تعدون قتيلين: قتيلا بصفين تتبكون عليه، وقتيلا بالنهروان تطلبون بثأره، فاما الباكي فخاذل، وأما الطالب فثائر، وأن معاوية قد دعا إلى أمر ليس فيه عز ولا نصفه، فإن أردتم الحياة قبلناه منه وأغضضنا على القذى، وإن أردتم الموت بذلناه في ذات الله وحاكمناه إلى الله).
فنادى القوم بأجمعهم: بل البقية والحياة.
وقال السدي: لم يصالح الحسن معاوية رغبة في الدنيا وإنما صالحه لما رأى أهل العراق يريدون الغدر به وفعلوا معه ما فعلوا خاف منهم أن يسلموه إلى معاوية... تذكرة الخواص:
198.
(٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 60 61 63 65 66 67 68 69 70 71 72 ... » »»