وكان والله غزير العبرة، طويل الفكرة، يقلب كفه، ويخاطب نفسه، يعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعام ما جشب.
وكان والله كأحدنا، يدنينا إذا أتيناه، ويجيبنا إذا سألناه، وكان مع تقربه (1) إلينا وقربه منا لا نكلمه هيبة له، فإن تبسم فعن مثل اللؤلؤ المنظم.
يعظم أهل الدين، ويحب المساكين، لا يطمع الهوى (2) في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله، فأشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه، وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه، يتململ في محرابه، قابضا على لحيته، يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين، فكأني اسمعه الآن وهو يقول: ربنا ربنا - يتضرع إليه - ثم يقول للدنيا:
(أنى تشوقت لي، أنى تعرضت لي، هيهات.. هيهات غري غيري، قد أبنتك ثلاثا لا رجعة لي فيك، فعمرك قصير، وعيشك حقير، وخطرك كثير آه.. آه من قلة الزاد، وبعد السفر، ووحشة الطريق).
فوكفت دموع معاوية على لحيته فما علمها، وجعل ينشفها بكمه وهو يقول: صدقت، والله هكذا كان أبو حسن (رحمه الله) (3).
[من كلامه (عليه السلام)] ومن بعض كلامه وحكمه ومواعظه (رضي الله عنه):
قوله: (طلبت السلامة فوجدتها في الوحدة، وطلبت العافية فوجدتها في