الدر النظيم - إبن حاتم العاملي - الصفحة ١٠٢
الأول: أنه كما يبعد في العادة صعود الجسم الأرضي إلى الهواء العالي فكذلك يبعد نزول الجسم الهوائي إلى الأرض، فلو صح استبعاد صعود محمد (عليه السلام) لصح استبعاد نزول جبريل (عليه السلام)، وذلك يوجب إنكار النبوة.
والثاني: وهو أنه لما لم يبعد انتقال إبليس في اللحظة الواحدة من المشرق إلى المغرب وبالضد فكيف يستبعد ذلك من محمد (صلى الله عليه وآله)؟!
والثالث: وهو أنه قد صح في الهيئة أن الفرس في حال ركضه الشديد في الوقت الذي يرفع يده إلى أن يضعها يتحرك الفلك الأعظم ثلاثة آلاف (1) فرسخ، فثبت أن الحركة السريعة إلى هذا الحد ممكنة، والله قادر على جميع الممكنات، فكانت الشبهة زائلة، والله أعلم. هذا قول ابن الخطيب.
وقلنا: أي وقت يكون صعود الشخص البشري إلى ما فوق السماوات ممتنعا إذا كان من قبل نفسه أو إذا كان من قبل غيره، أما إذا كان من قبل نفسه فمسلم، وأما إذا كان من قبل غيره فممنوع، وقد قال الله عز وجل عن إدريس (عليه السلام):
* (ورفعناه مكانا عليا) * (2) وقال لعيسى (عليه السلام): * (إني متوفيك ورافعك إلي) * (3) وما أراد إلا رفع الأجساد والأرواح، ولو أراد الأرواح وحدها لما حصل لهما بهذا القول مدح، لأن جميع الأرواح عند خروجها من الأجساد تصعد إلى المكان العلي، وقوله عز وجل عن محمد (صلى الله عليه وآله): * (ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى) * (4) ما أراد بهذا إلا فوق السماوات، لأنها صفة مدح وتخصيص، ولو كان المعنى غير ذلك لكان قد شاركه في هذا القرب كل العالم.
وإن قيل: إن جبريل (عليه السلام) هو الذي كان ينزل إلى محمد (عليه السلام) قاب قوسين أو أدنى.
قلنا: قد أجمع المسلمون أن جبريل (عليه السلام) كان ينزل إلى النبي (صلى الله عليه وآله) ويجالسه ويحادثه، وفي كل ذلك كان اليه قاب قوسين أو أدنى.

(١) في الأصل: ألف.
(٢) مريم: ٥٧.
(٣) آل عمران: ٥٥.
(٤) النجم: ٨.
(١٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 ... » »»