الدر النظيم - إبن حاتم العاملي - الصفحة ٦٨٩
نعت ذاته، ولا إياه وحد من اكتنهه، ولا حقيقته أصاب من مثله، ولا به صدق من نهاه، ولا صمد صمده من أشار إليه بشئ من الحواس، ولا إياه عنى من شبهه، ولا له عرف من بعضه، ولا إياه أراد من توهمه، كل معروف بنفسه مصنوع، وكل قائم في سواه معلول، بصنع الله يستدل عليه، وبالعقول يعتقد معرفته، وبالفطرة تثبت حجته، خلق الله تعالى الخلق حجابا بينه وبينهم، ومباينته إياهم مفارقته أينيتهم، وابتداؤه لهم دليل على أن الابتداء له، لعجز كل مبتدأ منهم عن ابتداء مثله، فأسماؤه تعالى تعبير، وأفعاله سبحانه تفهيم، قد جهل الله من حده، وقد تعداه من اشتمله، وقد أخطأه من اكتنهه، ومن قال: " كيف هو؟ " فقد شبهه، ومن قال فيه:
" لم؟ " فقد علله، ومن قال: " متى؟ " فقد وقته، ومن قال: " فيم؟ " فقد ضمنه، ومن قال: " إلى م؟ " فقد نهاه، ومن قال: " حتى م؟ " فقد غياه، ومن غياه فقد جزأه، ومن جزاه فقد ألحد فيه، لا يتغير الله تعالى بتغاير المخلوق، ولا يتحدد بتحدد المحدود، واحد لا بتأويل عدد، ظاهر لا بتأويل المباشرة، متجل لا باستهلال (1) رؤية، باطن لا بمزايلة، مباين لا بمسافة، قريب لا بمداناة، لطيف لا بتجسيم، موجود لا عن عدم، فاعل لا باضطرار، مقدر لا بفكرة، مدبر لا بحركة، مريد لا بعزيمة، شاء لا بهمة، مدرك لا بحاسة، سميع لا بآلة، بصير لا بأداة، لا تصحبه الأوقات، ولا تضمه الأماكن، ولا تأخذه السنات، ولا تحده الصفات، ولا تقيده الأدوات، سبق الأوقات كونه، والعدم وجوده، والابتداء أزله، بخلقه الأشباه علم أن لا شبيه له، وبمضادته بين الأشياء علم أن لا ضد له، وبمقارنته بين الأمور علم أن لا قرين له، ضاد النور بالظلمة، والصر (2) بالحرور، مؤلف بين متعاقباتها، مفرق بين متدانياتها، بتفريقها دل على مفرقها، وبتأليفها دل على مؤلفها، قال الله تعالى:
* (ومن كل شئ خلقنا زوجين لعلكم تذكرون) * (3) له معنى الربوبية إذ لا مربوب، وحقيقة الإلهية إذ لا مألوه، ومعنى العالم ولا معلوم، ليس منذ خلق استحق معنى

(١) في العيون: باستقلال.
(٢) الصر: شدة البرد.
(٣) الذاريات: ٤٩.
(٦٨٩)
مفاتيح البحث: التصديق (1)، الجهل (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 684 685 686 687 688 689 690 691 692 693 694 ... » »»