تحت رأسه وهو يتكلم كلاما لا نعقله. قال: فبادرت الغلمان بالأسياف إليه ووضعت سيفي في الأرض وأنا قائم عليه أنظر إليه حتى فعل به ما حد المأمون، ثم طووا عليه بساطه ومسحوا أسيافهم وخرجوا حتى دخلوا على المأمون. فقال:
ما الذي صنعتم؟ فقالوا: ما أمرتنا به يا أمير المؤمنين وأنا أظنهم يقولون ما ضربت بسيفي ولا تقدمت إليه. فقال المأمون: أيكم كان أسرع إليه؟ فقالوا: صبيح الديلمي يا أمير المؤمنين. ثم قال: لا تعيدوا شيئا مما فعلتم فتعجلوا العقوبة وتخسروا الآخرة والأولى.
فلما كان وقت الفجر خرج المأمون فجلس في مجلسه مكشوف الرأس محلول الأزرار وأظهر وفاته وقعد للتعزية، وقام حافيا قبل أن يصل إليه الناس يمشي إلى الدار لينظر إليه، فلما دخل عليه في حجرته سمع همهمة فأرعد، ثم قال لي: من عنده؟ فقلت: لا أعلم يا أمير المؤمنين. فقال: أسرع فانظر إلى من عنده.
قال صبيح: فأسرعت إلى البيت فإذا أنا بسيدي الرضا (عليه السلام) جالسا في محرابه مواصلا تسبيحه. فقلت: يا أمير المؤمنين هو ذا أرى شخصا جالسا في محرابه يصلي ويسبح، فانتفض المأمون وارتعد ثم قال: غررتموني لعنكم الله. قال: ثم التفت إلي من بين الجماعة وقال: أنت تعرفه فانظر من المصلي عنده؟ قال صبيح:
فمضيت راجعا فلما صرت بعتبة الباب قال لي: يا صبيح. قلت: لبيك يا مولاي، وسقطت لوجهي. قال لي: قم رحمك الله فارجع فقل له: يريدوا ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون.
قال: فرجعت إلى المأمون ووجدت كقطع الليل المظلم فقال: يا صبيح ما وراءك؟ قلت: يا أمير المؤمنين هو جالس في محرابه، وقد ناداني باسمى، وقد قال لي كيت وكيت. قال: فشد أزراره وأمر برد أبوابه وقال: قولوا انه كان قد غشي عليه وقد أفاق من غشيته. قال هرثمة: فأكثرت لله حمدا وشكرا، ثم دخلت على مولاي الرضا (عليه السلام)، فلما رآني قال: يا هرثمة لا تحدث بما حدثك به صبيح إلا لمن امتحن الله قلبه بمحبتنا وولايتنا. قلت: نعم يا سيدي. قال لي: يا هرثمة والله لن