الدر النظيم - إبن حاتم العاملي - الصفحة ٦٨٣
أصحابه عند منصرفه من معسكره إلى بغداد، إذ ورد عليه كتاب من الحسن بن سهل يعلمه فيه أن المأمون قد جعل علي بن موسى الرضا (عليهما السلام) ولي عهده من بعده، ولقبه الرضا من آل محمد، وذلك أنه نظر في بني العباس وبني علي فلم يجد أحدا أفضل ولا أورع ولا أعلم منه، وقد أمره بطرح لبس السواد ولبس ثياب الخضرة، وذلك في يوم الثلاثاء لليلتين خلتا من شهر رمضان من سنة إحدى ومائتين، ويأمره أن يأمر من قبله من أصحابه والجند والقواد وبني هاشم بالبيعة له، وأن يأخذهم بلبس الخضرة في أقبيتهم وقلانسهم وأعلامهم، ويأخذ أهل بغداد جميعا بذلك.
فلما أتى عيسى الكتاب دعا الأعيان من أهل بغداد إلى ذلك وجمع القواد وأمرهم بذلك على أن يعجل لهم رزق شهر والباقي إذا أدركت الغلة، فامتنع بعضهم ونسبوا هذا إلى الفضل بن سهل، وغضب بني العباس من ذلك واجتمعوا وقالوا:
نولي بعضنا ونخلع المأمون، وكان المتكلم في ذلك عماه إبراهيم ومنصور ابنا المهدي.
وفي هذه السنة أجاب جماعة من أهل بغداد إلى بيعة إبراهيم بن المهدي فبايعوه بالخلافة وخلعوا المأمون (1).
وقال أبو سعيد ابن المعلم: سمعت الفضل بن فضالة النسوي يقول: قال قاضي القضاة يحيى بن أكثم: كنت يوما عند المأمون وعنده علي بن موسى الرضا (عليه السلام) فدخل الفضل بن سهل ذو الرئاستين فقال للمأمون: قد وليت الثغر الفلاني فلانا التركي. فسكت المأمون. فقال الرضا (عليه السلام): ما جعل الله لإمام المسلمين وخليفة رب العالمين القائم بأمور الدين أن يولي شيئا من ثغور المسلمين أحدا من سني (2) ذلك الثغر، لأن الأنفس تحن إلى أوطانها وتشفق على أجناسها وتحب مصالحها وإن كانت مخالفة لأديانها. فقال المأمون: اكتبوا هذا الكلام بماء الذهب.

(١) تاريخ الطبري: ج ٨ ص ٥٥٤ - ٥٥٥.
(٢) السناء من الرفعة والسني: الرفيع (لسان العرب ١٤ / 403).
(٦٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 678 679 680 681 682 683 684 685 686 687 688 ... » »»