الدر النظيم - إبن حاتم العاملي - الصفحة ٦٧٩
المأمون للبيعة. ثم سأله المأمون أن يخرج فيصلي بالناس، فقال له: هذا ليس بكائن، فأقسم عليه، وأمر القواد بالركوب معه، فاجتمع الناس على بابه، فخرج وعليه قميصان ورداء وعمامة كما كان يخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فلما خرج من باب داره ضج الناس بالبكاء وكاد أهل البلدان أن يفتنوا، واتصل الخبر بالمأمون، فبعث إليه: كنت أعلم مني بما قلت ارجع، فرجع ولم يصل بالناس (1).
وذكر جماعة من أصحاب الأخبار ورواة السير من أيام الخلفاء: أن المأمون لما أراد العقد للرضا علي بن موسى (عليهما السلام) أحضر الفضل بن سهل فأعلمه بما قد عزم عليه وأمره بالاجتماع مع أخيه الحسن بن سهل على ذلك، ففعل واجتمعا بحضرته، وجعل الحسن يعظم ذلك عليه ويعرفه ما في اخراج الأمر من أهله عليه.
فقال له المأمون: إني عاهدت الله على أنني إن ظفرت بالمخلوع أخرجت الخلافة إلى أفضل آل أبي طالب، وما أعلم أحدا أفضل من هذا الرجل على وجه الأرض.
فلما رأى الحسن والفضل عزيمته على ذلك أمسكا عن معارضته فيه، فأرسلهما إلى الرضا (عليه السلام) فعرضا ذلك عليه، فامتنع فيه، فلم يزالا به حتى أجاب، ورجعا إلى المأمون فعرفاه إجابته، فسر بذلك، وجلس للخاصة في يوم خميس، وخرج الفضل بن سهل فأعلم الناس برأي المأمون في علي بن موسى وأنه قد ولاه العهد وسماه الرضا وأمرهم بلبس الخضرة والعود لبيعته في الخميس الآخر على أن يأخذوا أرزاق سنة.
فلما كان ذلك اليوم ركب الناس على طبقاتهم من القواد والحجاب والقضاة وغيرهم في الخضرة، وجلس المأمون ووضع للرضا وسادتان حتى لحقا بمجلسه وفرشه، وأجلس الرضا (عليه السلام) عليهما في الخضرة، وعليه عمامة وسيف، ثم أمر ابنه العباس بن المأمون فبايع له أول الناس، وبايعه الناس ويده فوق أيديهم، ووضعت

(1) دلائل الإمامة: ص 176 - 177.
(٦٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 673 674 675 677 678 679 680 681 682 683 684 ... » »»