الدر النظيم - إبن حاتم العاملي - الصفحة ٥٦٢
الأعمش، قال: بينا أنا في الطواف أطوف بالبيت وكنا بالموسم إذ رأيت رجلا يدعو ويقول في دعائه: اللهم اغفر لي وأنا أعلم أنك لا تغفر لي قال.. فارتعت لذلك، ثم ونوت إلى الرجل فقلت: يا هذا أنت في حرم الله عز وجل وهذه أيام حرم في شهر عظيم، فلم تأيس من المغفرة؟
فقال: يا هذا إن ذنبي عظيم. فقلت: أعظم من تهامة؟ قال: نعم. قلت أعظم من الجبال الرواسي؟ قال: نعم وإن شئت أخبرتك. فقلت: أخبرني: قال: اخرج بنا عن الحرم إلى الحل. فخرجنا من الحرم حتى أتينا شعب أبي طالب، فقلت له: يا هذا حدثني بحديثك فقد كادت نفسي تتلف شوقا. فقال: اخرج عن شعب أبي طالب فإني ما كنت لأقعد في شعب رجل سعيت في قتل ولده. فخرجنا عن الشعب وجلسنا في ظاهر مكة، فقال لي: أنا أحد من كان في العسكر المشؤوم عسكر عمر بن سعد حين قتل الحسين (عليه السلام)، وكنت أحد الأربعين الذين حملوا الرأس إلى يزيد قبح الله وجهه، وكان السبب في ذلك إنا فارقنا الكوفة وحملناه على طريق الشام فنزلنا على دير النصارى، وكان الرأس معنا مركوز على رمح ومعه الأحراس، فوضعنا الطعام وجلسنا لنأكل، وإذا بكف تكتب على حائط الدير:
أترجو أمة قتلت حسينا * شفاعة جده يوم الحساب قال: فجزعنا لذلك جزعا شديدا، وأهوى بعضنا إلى الكف ليأخذها فغابت. ثم عاد أصحابي إلى الطعام ليأكلوا فإذا الكف قد عادت تكتب مثل الأول، فقام أصحابنا إليها فغابت، فامتنعت من الطعام وما هنأني أكله.
ثم أشرف علينا راهب من الدير فرأى نورا ساطعا من فوق الرأس، فأشرف فرأى عسكرا، فقال الراهب للحرس: من أين جئتم؟ قالوا: من العراق حاربنا الحسين بن علي (عليه السلام). فقال الراهب: ابن فاطمة الزهراء ابن بنت رسولكم وابن عم نبيكم. قالوا: نعم. قال: تبا لكم يا معاشر القوم، والله لو كان لعيسى ابن لحملناه على أحداقنا، ولكن لي إليكم حاجة. قالوا: وما هي؟ قال: قولوا لرئيسكم عندي عشرة آلاف دينار ورثتها عن أبي وورثها أبي عن جدي ليأخذها ويعطيني الرأس يكون
(٥٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 557 558 559 560 561 562 563 564 565 566 567 ... » »»