الدر النظيم - إبن حاتم العاملي - الصفحة ٤٦٨
منه بمواضع المقدور (1)، ابتعثه إتماما لعلمه، وعزيمة على إمضاء حكمه، وإنفادا لمقادير حتمه.
فرأى (عليه السلام) الأمم فرقا في أديانها، عابدة لنيرانها، عاكفة على أوثانها، منكرة لله عز وجل مع عرفانها (2)، فأنار الله به ظلمها، وجلى عن الأبصار غممها (3)، وفرج عن القلوب بهمها (4)، وقام في الناس بالهداية، وأنقذهم من الغواية، وهداهم إلى الدين القويم، ودعاهم إلى الطريق المستقيم.
ثم قبضه الله عز وجل إليه قبض رأفة واختيار (5)، وتكرمة وهب، ونقله عن تعب هذه الدار، موضوعا عن عنقه الأوزار، مخلدا في دار القرار، محتفا به الملائكة الأبرار، في مجاورة الملك الجبار، رضوانه عليه وعلى أهل بيته الأخيار، وصلى الله على نبيه وأمينه على وحيه وصفيه من الخلائق وسلم كثيرا.
ثم التفتت إلى أهل المجلس وقالت: وأنتم عباد الله نصب أمره ونهيه (6)، وحملة معالم علمه ووحيه، وأمناؤه على أنفسكم، وبلغاؤه إلى الأمم (7)، خولكم عهده الذي قدمه إليكم، وبقيته التي استخلفها فيكم (8) كتاب الله، بصائره نيرة لذوي الألباب (9)، وآي كاشفة سرائره وبرهانه، وحججه النيرة، ومواعظه المكررة، ومحارمه المحذرة، ورخصه (10) الموهوبة، وشرائعه المكتوبة، وفضائله المندوبة.

(١) أي لمعرفته تعالى بما يصلح وينبغي من أزمنة الأمور الممكنة المقدورة وأمكنتها، ويحتمل أن يكون المراد بالمقدور المقدر.
(٢) لكون معرفته تعالى فطرية، أو لقيام الدلائل الواضحة الدالة على وجوده سبحانه.
(٣) جلوت الأمر: أوضحته وكشفته. والغمم: جمع غمة، يقال: أمر غمة أي مبهم ملتبس.
(٤) البهم: جمع بهمة وهي مشكلات الأمور.
(٥) أي من الله له ما هو خير له، أو باختيار منه (صلى الله عليه وآله) ورضا.
(٦) أي نصبكم الله لأوامره ونواهيه.
(٧) أي تبلغون الأحكام إلى سائر الناس.
(٨) العهد: الوصية، وبقية الرجل: ما يخلفه في أهله، والمراد بها القرآن، أو بالأول ما أوصاهم به في أهل بيته وعترته وبالثاني القرآن.
(9) البصائر: جمع بصيرة وهي الحجة، ونيرة أي واضحة.
(10) الرخص: المباحات.
(٤٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 463 464 465 466 467 468 469 470 471 472 473 ... » »»