الدر النظيم - إبن حاتم العاملي - الصفحة ٣٨٢
قال: قلت: يا أمير المؤمنين جعلني الله فداك فأين أطلب هؤلاء؟ قال لي: في أطراف الأرض، هؤلاء والله يا نوف شيعتي، يجئ النبي (صلى الله عليه وآله) وهو آخذ بحجزة ربه، وأنا آخذ بحجزته، وأهل بيتي آخذون بحجزتي، وشيعتي آخذون بحجزنا، فإلى أين يا نوف؟ فإلى الجنة ورب الكعبة - ثلاثا -.
يا نوف أما الليل فصافون أقدامهم، يفترشون جباههم، تجري دموعهم على خدودهم، يتناجون في فكاك رقابهم. وأما النهار فحكماء، نجباء، كرام، أتقياء.
يا نوف بشر الزاهدين، نعم ساعة الزاهدين، أما انها ساعة لا يسأل الله فيها عبد إلا أعطاه الله ما لم يكن حاشرا أو عاشرا أو ساحرا أو صاحب كوبة (1) أو صاحب عرطبة (2).
يا نوف شيعتي الذين اتخذوا الأرض بساطا، والماء طيبا، والقرآن شعارا، قرضوا الدنيا قرضا قرضا على منهاج المسيح عيسى بن مريم (عليهما السلام) (3).
وقيل له: يا أمير المؤمنين من خيار الناس؟ قال: الذين إذا أحسنوا استبشروا، وإذا أساؤوا استغفروا، وإذا أعطوا شكروا، وإذا ابتلوا صبروا، وإذا أغضبوا غفروا.
وقال (عليه السلام): الدنيا صدق لمن صدقها، ودار عافية لمن فهم عنها، ودار غناء لمن تزود منها، مسجد أنبياء الله، ومصلى ملائكته، ومهبط وحيه، ومتجر أوليائه، اكتسبوا فيها الرحمة وربحوا فيها الجنة، فمن ذا يذمها وقد آذنت ببينها، ونادت بفراقها، ونعت نفسها وأهلها، ومثلت لهم ببلاياها البلاء، وسوقت بسرورها إلى السرور، وراحت بفجيعة، وابتكرت بعافية تحذيرا وترغيبا وتخويفا، فذمها رجال غداة الندامة، وحمدها آخرون ذكرتهم فذكروا وصدقتهم فصدقوا. فيا أيها الذام الدنيا المغتر بغرورها متى استذمت لك الدنيا؟ بل متى غرتك من نفسها بمضاجع آبائك من البلى، أم بمصارع أمهاتك من الثرى؟ كم قد عللت بنفسك ومرضت بيدك تبغي له الشفاء وتستوصف له الأطباء، لم تنفعه بشفائك، ولم تسعف له

(1) الكوبة: الطبل.
(2) العرطبة: الطنبور. في الأصل: العربطة.
(3) نهج البلاغة: ص 486 حكمة 104 ط. صبحي الصالح.
(٣٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 377 378 379 380 381 382 383 384 385 386 387 ... » »»