الدر النظيم - إبن حاتم العاملي - الصفحة ٣٧٧
حسرة، ولكل سعة مضرة، ولكل حلاوة بعدها مرارة، ولكل إبرام بعده نقض، ولكل لين بعده صعوبة، ولكل سرور بعده حزن، ولكل طرب بعده سجن.
فكل هذا يا بني في الدنيا، ولا ينجو إلا من عصمه الله منها وأكرمه برحمته، والناس فيها غافلون، ومن فنائها آمنون، والموت أمامهم ينتظر آجالهم، وهم فيها بين ذلك مجتهدون يكدون أنفسهم ومن الحلال والحرام يكتسبون، أملهم طويل وأجلهم قصير، عموا في الدنيا واستأنسوا بأهلها، فهم عن آخرها آمنون مطمئنون، يبنون القصور وما لا يسكنون، ويعمرون ما لا يدخلون، ويأمنون مالا يخافون.
يا بني لا الدنيا يطلبون ولا الآخرة يرجون، لو طلبوا للدنيا لعملوا بما امروا فيها، ولو رجوا الآخرة لاشتغلوا فيما رجوا منها.
يا بني كيف تجمعون؟ ومن أين تأكلون؟ ومم تلبسون؟
يا بني المال والبنون حرث الدنيا، والدين والعمل الصالح حرث الآخرة، وقد يجمعها الله لأقوام يحبهم ويحبونه.
يا بني فمن أحب الله أحبه الله وحببه إلى خلقه، ومن أبغض الله أبغضه الله وبغضه إلى خلقه. ولا قوة إلا بالله.
حدث الأصبغ بن نباتة قال: دعا أمير المؤمنين (عليه السلام) الحسن والحسين (عليهما السلام) لما ضربه ابن ملجم لعنه الله فقال لهما: إني مقبوض في ليلتي هذه ولا حق برسول الله (صلى الله عليه وآله) فاسمعا قولي وعياه. أنت يا حسن وصيي والقائم بالأمر بعدي، وأنت يا حسين شريكه في الوصية فأنصت ما نطق، وكن لأمره تابعا ما بقي، فإذا خرج من الدنيا فأنت الناطق بعده والقائم بالأمر، وعليكما بتقوى الله الذي لا ينجو إلا من أطاعه ولا يهلك إلا من عصاه، واعتصما بحبله، وهو الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.
ثم قال للحسن (عليه السلام): إنك ولي الأمر بعدي، فإن عفوت عن قاتلي فلك، وإن قتلت فضربة مكان ضربة، وإياك والمثلة فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نهى عنها ولو بكلب عقور.
(٣٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 372 373 374 375 376 377 378 379 380 381 382 ... » »»